من النتائج المفاجئة للانتخابات الإسرائيلية، الصعود اللافت للقائمة العربية المشتركة بحصولها على 13 مقعدا، مما يعطيها هامشاً كبيرا للمناورة أمام باقي الكتل البرلمانية، سواء بحجب الثقة أمام أي حكومة يمينية، أو منحها لحكومة تجمع الوسط واليسار، من باب أقل الشرور.
تشكل هذه النتائج المتقدمة فرصة للتعرف على الأسباب التي دفعت لتقدم القائمة المشتركة، وما يعنيه، وهل ينعكس على أدائها بالكنيست، والقرارات المتعلقة بالعرب داخل إسرائيل، ومدى تأثيرها بتشكيل الحكومة القادمة، وإمكانية أن يكون بينهم وزير، أو على الأقل أن يصبح عربي أول زعيم للمعارضة في إسرائيل.
وقد هاتف زعيم حزب أبيض-أزرق بيني غانتس رئيس القائمة المشتركة أيمن عودة، الذي أكد إمكانية دعمه لتشكيل ائتلاف حكومي، وتولي منصب رئيس الوزراء، لأنه يريد استبدال نتنياهو، مع وجود مطالب أساسية تشمل استئناف العملية السلمية بين إسرائيل والفلسطينيين، وتحسين ظروف المجتمع العربي في إسرائيل.
لكن أوساطا عربية داخل إسرائيل تتلمس مخاطر الخطاب المتزايد هذه الأيام بالدعوة لانخراط العرب في حكومة ائتلاف قادمة، لأن أي تجاوب معه يضرب الهوية الوطنية الفلسطينية، ويجعل أي استجابة لها مقدمة لحدوث انشقاق فيها.
وكان عودة قد أعلن أواخر أغسطس أنه قد يوصي بتكليف غانتس لتشكيل الحكومة المقبلة، بل أشار لإمكانية الانضمام لائتلافه الحكومي شرط تحقيق مطالب خدماتيّة بحتة، مما لاقى في حينه معارضة عربية واسعة، لأن غانتس الذي قصف غزة لا يفكر بالسلام، وهذه مناورة خطيرة، وتمنح شرعية لحزب الجنرالات الذين ارتكبوا جرائم حرب ضد الفلسطينيين، ويتباهون بها.
ما قد يطمئن أن هناك مواقف مبدئية داخل القائمة أهمها عدم تشكيل كتلة مانعة أو شبكة أمان لحزب أزرق-أبيض، لكن الأمر يزداد تعقيدا في حال اتجه غانتس لحكومة وحدة مع الليكود، مما يجعل المشهد الإسرائيلي مربكاً وغامضا، فهذه الحكومة لا يحمل برنامجها السياسي إنهاء الصراع مع الفلسطينيين وتبني حل الدولتين، بل قد تنخرط في صفقة القرن التي ترفضها القائمة المشتركة والجماهير العربية داخل إسرائيل.
هناك توجه موحد داخل القائمة لرفض تشكيل شبكة أمان أو كتلة مانعة لحكومة الجنرالات، وأي مكون منها أو قيادي فيها قد يتجاوب مع الدعوات الإسرائيلية، سيتحمل تاريخيا إمكانية حدوث انشقاق داخل القائمة، وهذه المراهنة ستجعله يدفع الثمن غاليا من الجماهير العربية داخل إسرائيل.
ليس سراً أن الأحزاب ومركبات معسكر المركز-يسار في إسرائيل، يعولون على انشقاق القائمة المشتركة، وإخراج أو عزل بعض مركباتها، للتسهيل على باقي المركبات للتوصية بتكليف غانتس بتشكيل الحكومة، مما يعني أننا سنكون أمام ضغوطات كبيرة ستمارس عليها خلال الأيام والأسابيع المقبلة.