إن ذكاء الشارع ذكاء مكتسب بامتياز، يكتسبه الإنسان في أثناء تواصله وتعامله خارج نطاق البيت، ليمتلك المعرفة والخبرة للتعامل مع صعوبات ومشاكل محتملة، أو مخاطر حياة في البيئات المتنوعة والمختلفة.
ذكاء الشارع هو معرفة المرء عواطفه وقدرته على إدارتها، فيكتسب مهارة الكلام والصمت ومتى يطلق لسانه ومتى يحبسه ليطبق المعنى الأجمل للذكاء لمجموعة المهارات غير المعرفية أو الصفية المبنية على الذكاء العقلي، ليكتسب الإنسان كفاءات تؤثر إيجابًا على قدراته في التعامل مع متطلبات الحياة.
وإنه يمثل النسبة الأعلى للنجاح في الحياة ومواقفها، لكن الأهل يغالون كثيرًا في إبعاد أبنائهم عن مواطن الاحتكاك والاختلاط في الأسواق حتى زملائهم أحيانًا، خشيةً من رفاق السوء أو الاختلاط مع أشخاص لا يعرفونهم، ويبالغون في حمايتهم من مواجهة مواقف مفاجئة أو الاختلاط بمجموعات فاسدة، وهذا حرص مبالغ فيه، والأجدر أن يكون ذلك بتوازن، لأن هذا السلوك يجعل الأبناء ضعفاء في اكتساب الخبرات، وتحديدًا ذكاء الشارع، فلا يستطيعون التفرقة بين الصدق والخداع، أو بين الشخص المحترم والسيئ، أو التصرف في المواقف المفاجئة التي تحتاج إلى سرعة بديهة وتغيير أسلوب التعامل فجأة، ومهما حاول الأهل حماية أبنائهم من مواقف كهذه فسيواجهونها في النهاية، وقد يكون الثمن باهظًا.
لذلك من الضروري إتاحة الفرصة للأبناء لتوسيع دائرة معارفهم وإكسابهم المزيد من الخبرات العملية والتعرف إلى شخصيات جديدة، بحيث يتاح لهم ممارسة هذه التجربة، مع ضرورة المتابعة والمراقبة من الأهل، كما أن ارتياد الأسواق وشراء الحاجيات خبرة ضرورية.
وصحيح أن ذكاء الشوارع يكتسب من الممارسة العملية، لكن القراءة واتساع الثقافة لهما أثرهما الفعال الذي لا يمكن إنكاره في تطور مهارات الإنسان عامة، ومنها ذكاء الشوارع، فالمخزون المعرفي والثقافي ينمي الذكاءات ويطور القدرات ويثري الخبرات، قد يمتلك الإنسان ذكاءً عقليًّا لكنه حقيقة غير كافٍ لإدارة الحياة ومواقفها المختلفة والصعبة، لأن نجاح الإنسان في عمله يعتمد على 80% من ذكائه العاطفي، الذي جزء كبير منه ذكاء اجتماعي أو ذكاء الشارع كما يسميه بعض الدارسين.
ولا تجعلوا أبناءكم طلابًا مثاليين ومبدعين حسب الكتاب فقط، فالحقيقة أن ذلك غير كافٍ لأنه قد يدفع بهم نحو القمة والتفرد، لكن من الصعب أن يحافظوا عليها في معترك الحياة وتعدد الأنماط البشرية وثقافاتهم؛ فذلك يحتاج إلى مهارات خاصة وقدرات متميزة مكتسبة من مواقف عملية منذ نعومة الأظافر.
لذلك يجب أن تدخل في تربية أبنائنا من اللحظات الأولى في تقديم النصح وتهيئة البيئات الاجتماعية المنضبطة والمتوازنة، وتركهم ساعات قليلة للعب في الشارع، وإجراء عمليات شراء بسيطة مع والديهم، سيسمح تدريس هذه المهارات للأولاد بالحصول على المزيد من الاستقلالية والتمييز بين الغرباء.
ولاشك أنه في كل المراحل لا غنى عن المتابعة الأسرية لأبنائنا وإرشادهم بأساليب متنوعة للدفاع عن أنفسهم في مشوار اكتساب تلك المهارات غير المرتبطة بسن أو مرحلة دراسية بقدر ما هي مرتبطة بمجموعة التجارب ومساحات الاحتكاك بالآخرين، وترجمتها إلى عبر وعظات لتصبح مهارات وكفاءات يمتلكها الصغار.