مع نهاية انتخابات الكنيست الإسرائيلية ظهرت تحليلات سياسية فلسطينية كثيرة للإجابة عن سؤال: ما الذي ستفعله القيادة الجديدة لدولة الاحتلال مع قطاع غزة؟ السؤال بحد ذاته غير دقيق؛ والسؤال الأدق ما الذي يمكن لها أن تفعله؟ وما الخيارات المتاحة لها أو المتبقية لديها لتختار منها؟ حيث إن السنوات الأخيرة بما فيها من حروب تركت جروحًا عميقة في الوعي الجمعي الإسرائيلي وخاصة القريبين من قطاع غزة، وكذلك تركت رهبة شديدة لدى قادة الكيان من كابوس المواجهة مع غزة ومقاومتها الباسلة وصمود أهلها منقطع النظير.
خيارات اليوم لدى جيش الاحتلال ليست تلك التي كانت بالأمس، ولن تظل كذلك إلى الغد، فخياراته مرتبطة بقدراته على تحقيقها، والدخول إلى قطاع غزة لم يعد نزهة ولا هو حرب عادية حتى، بل هو أشبه بالانتحار، فإما قتيل وإما أسير، والجندي الإسرائيلي المحظوظ هو من يخرج من غزة بأقل التشوهات الجسدية والعقلية.
في قطاع غزة المعادلة واضحة ونهايتها رفع الحصار بشكل تام في مدة زمنية ليست بالطويلة، ولكن التحديات الكبيرة أصبحت في الضفة الغربية، حيث شاهدنا أمس كيف قتل جنود جيش الاحتلال فلسطينية بدم بارد دون أي ذنب، وشاهدنا مباشرة بعد الجريمة تصريحًا للسيد صائب عريقات معلقًا على نتائج الانتخابات الإسرائيلية ودون الإشارة للجريمة، وهذا مؤشر يثير القلق لما يجري في الضفة.
ما دامت السياسة الفلسطينية -لدى الفصائل والقيادة- مبنية على ردة الفعل تجاه ما يقوم به المحتل، وما دمنا نظل بانتظار الخطوة القادمة للعدو، فإن حالنا لن تتغير بالسرعة المطلوبة، لا أحد يشكك في تطور المقاومة في غزة, حتى "إسرائيل" تعترف بقدراتها ولكنها غالبا ما تتحرك كرد فعل. لا بد من إجراء تغييرات على السياسة الحالية، بحيث يظل العدو في حالة ترقب للفعل الفلسطيني وليس لردة فعله على جريمة سبق وارتكبها العدو، فإذا تحول الفلسطيني الى مبادر في صراعه مع العدو فإن الأوضاع ستنقلب رأسًا على عقب، والمبادرات التي أقصدها لا تعني إعلان الحرب، بل أي فعل سياسي وغير سياسي من شأنه التأثير بشكل إيجابي على مسار القضية الفلسطينية وتأمين الحماية للفلسطينيين ورفع معاناتهم.