بغض النظر عن الأسماء التي تنافست على رئاسة تونس، فالانتخابات الديمقراطية للرئاسة التونسية بحد ذاتها نصر عربي كبير؛ لا يعادله أي انتصار عسكري، أو تطور اقتصادي، أو ازدهار ثقافي، فهذا النصر التونسي يناطح إسرائيل في خندقها المنيع، ويحاصرها في أكذوبة واحة الديمقراطية، التي حاصرت بها كل البلاد العربية، وهي تحرص على إغراق البلاد العربية في بحور الدكتاتورية، لتظل مقيدة الإرادة، صاغرة لأمر الحاكم الفرد الذي لا يشاركه القرار أحد.
الانتخابات التونسية التي سبقت الانتخابات الإسرائيلية البرلمانية بيومين لم تحظ باهتمام وسائل الإعلام الدولية والعربية بالقدر نفسه الذي تحظى به الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية، وذلك مرده إلى طبيعة دولة الصهاينة التي فرضت نفسها في المنطقة، وتحظى بدعم الغرب، ولها حضور سياسي وعسكري مؤثر على مجمل السياسة العربية والتحالفات الدولية، ولها تأثيرها المباشر والقوي على الكثير من مفاصل الحياة الاقتصادية والأمنية في كثير من دول العالم.
تونس، ودون كل الدول العربية، خاضت تجربة انتخابات رئاسية ديمقراطية لأكثر من مرة، لترسم بهذه التجربة معالم حياة سياسية تبشر بتقدم تونس في كل المجالات، وتبشر بمحاكاة الشعوب العربية للتجربة التونسية الرائعة، والتي لم تفقدها بريقها قلة المشاركة في التصويت، والتي بلغت 45% فقط، وهذا مؤشر على عدم اقتناع الشعوب العربية بجدوى الانتخابات، وعدم الثقة بالنتائج، ولاسيما أن المواطن العربي التونسي يتطلع في هذه المرحلة إلى بناء مؤسسات الدولة، وتحسين مستواه الاقتصادي، وتوفير فرصة عمل، وضمان رغيف الخبز غير الملوث بالفساد.
الانتخابات الإسرائيلية تحظى بنسبة تصويت أعلى، فقد بلغت نسبة التصويت قبل عدة أشهر 68% تقريباً، وهذه النسبة تعكس الاهتمام الإسرائيلي بنتائج الانتخابات التي ستفرز القيادة الحقيقية للدولة، وهذه نسبة تعكس ثقة المواطن الإسرائيلي بالنظام السياسي، وقناعته بأنه ينتخب من يمثله، ومن يحقق أطماعه وأحلامه بأرض إسرائيل الكبرى، أرض الأجداد كما يزعمون، وهذا البعد السياسي والعقائدي في الانتخابات هو الذي يدفع الأحزاب لحشد الجمهور المؤيد للبرنامج السياسي، والحالم بالتوسع التاريخي، لذلك كانت الشعارات اليمينية المتطرفة، والداعية للضم هي السمة الغالبة للدعاية الحزبية.
الانتخابات التونسية ستقدم بعد الإعادة رئيساً للشعب التونسي، رئيساً مجبراً على الأخذ بيد الشعب إلى الأمام، لأن الديمقراطية لا تقدم للشعب عجلاً مقدساً، وإنما موظفاً تقتصر فترة رئاسته على أربع سنوات، سيخضع بعدها للمساءلة، وهذا ما يميز الانتخابات الإسرائيلية، والتي ستشهد صعوبة في تشكيل حكومة جديدة، ولاسيما بعد انقسام القوائم الحزبية إلى معسكرين متنافسين، معسكران لا يختلفان في الأيديولوجيا، ولا يفترقان كثيراً في السياسة، معسكران محسوبان على اليمين، لا يقدر أي منها على الفوز بالأغلبية المطلوبة لتشكيل الحكومة دون توسل الأحزاب الصغيرة، لذلك فمن المرجح أن تكون هنالك انتخابات برلمانية ثالثة بعد عدة أشهر، وذلك في حالة عدم التوافق على تشكيل حكومة تضم الحزبين الكبيرين في الدولة، حكومة توافق، غير فاعلة على مستوى السياسة الخارجية، وستكون حكومة مؤقتة مهمتها الإعداد لانتخابات برلمانية جديدة بعد عدة أشهر.
وسط هذا المشهد الديمقراطي الذي يثير الاهتمام، يبكي الفلسطينيون حظهم، وعدم قدرتهم على ممارسة حقهم الديمقراطي، فأرضهم محتلة، وقرارهم محتل، وهم غير قادرين على المنافسة في هذا المضمار، فلا ديمقراطية تعرف سياستهم، ولا انتخابات تدق على باب بيتهم، الفلسطينيون منشغلون بحياتهم الاقتصادية، ورواتبهم المقطوعة، وأوطانهم المحاصرة، وأرضهم التي يهاجمها المستوطنون، وانشغال قيادتهم بالتنسيق الأمني مع الإسرائيليين.