تحدثنا في مقال أمس عن اتفاقية أوسلو في ذكراها السابعة والعشرين، وكيف أجهضت انتفاضة الحجارة، وكيف قسمت الشعب إلى قسمين، وإلى مشروعين، وكيف فشلت في تحقيق الدولة وفي إزالة الاحتلال، حتى وصلنا إلى مشروع نتنياهو بالعزم على ضمّ الأغوار، وضمّ المستوطنات، لأن الاتفاقية لم تحرر مفهوم الأرض، وهل هي محتلة أم متنازع عليها؟!
واليوم نقول إن اتفاقية أوسلو اعتمدت على الدول المانحة بغرض تثبيت الحلّ ، وتحويل غزة والضفة إلى سنغافورة الشرق الأوسط. أموال الدول المانحة ثبّتت حكم السلطة، وأغنت رجالها، وأثرت المتنفذين منهم، مثل: محمد رشيد، وعباس، وولده، والشيخ، وطاقمه، ورجال يعرفهم مسؤول لجنة القضاء رفيق النتشة، ولا داعي لذكرهم؛ لأن سلسلتهم طويلة الحلقات. ولم تبنِ أموال الدول المانحة والمقاصة لا سنغافورة غزة، ولا الضفة، ولا ما يحزنون.
كان دخل المواطن الغزي، أعني ( العامل)، في أثناء الانتفاضة ( 1500) دينار شهريا، في المتوسط، واليوم إن دخل المواطن الغزي الشهري في المتوسط (200) دينار، هذا إذا وجد عامل اليوم فرصة عمل، لأن البطالة تجاوزت 46%. بينما كنا نبحث في الانتفاضة قبل قدوم السلطة على عامل البناء، أو الباطون أو البلاط فلا نجده! كنا نعد أبناء العائلات الغزية كالشوا واليازجي، ومرتجى، هم أغنياء غزة وأعمدتها، وفي ظل السلطة فاتهم في الغنى والثراء رجال السلطة فلان، وفلان، ولا داعي للأسماء.
)سنغافورة دخلت بيوتا كانت قحطا، وخرجت من بيوت عزّ موروث ومال موفور).
دخلت بيت كبير الشرطة، وكبير المخابرات، وكبير المعابر، وكبير المفاوضات، وكبير الشئون المدنية، وكبير أبناء القائد، وهؤلاء أقصوا جميع الوارثين وأعمدة المدينة وحلّوا محلهم، ونافسوا رجال الخليج من أبناء الأمراء والسادة في الثراء!
لم يبنِ مال المانحين اقتصادا مستقلا، ولم يبنِ مصنعا كبيرا يعالج البطالة، أو مؤسسات مالية تعالج اليوم الأسود، ولم يبنِ مدنا لرعاية الأزواج الشابة، ولم يبنِ تجارة خارجية لا تبور، ولم يبنِ جامعات، مع أن رأس مال الفلسطينيين هو العلم، واليوم تتسول الجامعات رواتب الأساتذة، حيث يتقاضى الأستاذ الجامعي (200) دينار، سلفة على الراتب الشهري الذي يتجاوز (2000) دينار مرّحل أغلبه على مستحقات ربما لا تأتي، لأن الطالب لا يملك والده القسط الجامعي!
سبع وعشرون سنة مضت على اتفاقية أوسلو تراجع فيها الدخل الفردي الفلسطيني إلى أدنى من العُشر من دخله قبل قدوم السلطة، ودخلت غزة فوق ذلك في معركة عقوبات، ومعركة حصار، ومعركة تمييز سلطوي بين راتب غزة وراتب الضفة، وهذا العرض كافٍ للقول بفشل أوسلو ومن جاؤوا بها من خلف ظهر الشعب من الوجه المالي، ودخل المواطن! ( يتبع)