تحمل التطورات الأمنية المتلاحقة في قطاع غزة في الأيام الأخيرة، واستمرار إطلاق الصواريخ باتجاه المستوطنات الإسرائيلية الجنوبية، جملة من التساؤلات الإسرائيلية بحاجة إلى إجابات واضحة، لا سيما أن الفصائل الفلسطينية تعلم جيدًا أن إسرائيل ليس بوارد ذهابها إلى تصعيد عسكري عشية الانتخابات.
مع العلم أن الجهة الوحيدة التي تعلم سبب إطلاق الصواريخ المتزايد من غزة، ومن يقف وراءها هي أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، وحتى هذه قد لا تكون معلومة أكيدة، لأن استعراض الأيام الأخيرة للأحداث في غزة بصورة تفصيلية، سواء بسقوط شهداء فلسطينيين في مسيرات الجمعة الأخيرة على حدود القطاع، أو إطلاق الفلسطينيين لطائرة مسيرة، أو وصول رجال المخابرات المصرية لغزة، ولم يحققوا نتائج ذات مغزى، تخلل كل هذه الأيام سقوط القذائف الصاروخية على المستوطنات الجنوبية، مما دفعت الإسرائيليين لطرح السؤال: لماذا الآن؟
هناك جملة احتمالات إسرائيلية عديدة يمكن الأخذ بها دون جزم نهائي، أولها أن ذلك قد يكون ردًّا على إعلان بنيامين نتنياهو بضم غور الأردن في حال نجح في الانتخابات المقبلة، وقد أعلنت المقاومة أن إسرائيل لا تفهم سوى لغة القوة، مما قد يشير إلى فرضية أن تكون نفذت تهديدها.
هناك احتمال ثانٍ بأن تكون هذه القذائف رسالة حادة موحدة من كل الفصائل الفلسطينية باتجاه نتنياهو الذي كان موجودًا في مدينة أسدود، وهي تعلم أنه سيلقي خطابا انتخابيا وسط مؤيدي حزب الليكود.
اللافت أن الفصائل الفلسطينية عاشت في السنوات الأخيرة عدة دورات انتخابية إسرائيلية، وبات لديها قناعة أن الحكومة الإسرائيلية لا تفضل الذهاب إلى خيارات تصعيد عسكرية عشية ذهاب الإسرائيليين إلى صناديق الاقتراع خشية فقدان دعمها الجماهيري، مما قد يكون منح هذه الفصائل حالة من الأمان الكبير، ودفعها لتكثيف إطلاق القذائف الصاروخية والطائرات المسيرة.
مع العلم أن القناعة الإسرائيلية السائدة بارتباط التطورات الأمنية في قطاع غزة لها علاقة بالتوتر الأمني الحاصل في الجبهة الشمالية مع كل من لبنان وسوريا ليست دقيقة بصورة كلية، صحيح أن الفصائل الفلسطينية تتلقى دعما شبه كامل من إيران، لكنها لا تتلقى تعليمات مباشرة منها بإطلاق قذائف صاروخية على إسرائيل، فالفصائل في غزة لديها أجندة داخلية فلسطينية، وطنية بحتة، ما يضع تحديًا جديدًا على إسرائيل.
ما تقدم من احتمالات وجيهة لا يلغي فرضية القول إن غزة مليئة بالأجنحة الفلسطينية المسلحة، وتحوز قدرات عسكرية متقدمة، وكل من يريد منها إثبات وجوده في الميدان من خلال توجيه النيران نحو إسرائيل، ما يجعل منها هدفا مفضلا لإبراز موازين القوى الداخلية في القطاع، ويتطلب ذلك من غرفة العمليات المشتركة ضبط الساحة كي لا يتم استغلالها إسرائيلياً في وقت انتخابي حساس.