مرت علينا ذكريا هجرتيْ رسوليْن هما موسى ومحمد (عليهما الصلاة والسلام)، وبين الهجرتين وحديث الهجرة بين شبابنا الفلسطينيين، نتحدث عن الفرق والعِبر.
صحيح أن كل الأنبياء اضطهدهم وحاربهم أعداؤهم، وقد مارس الأعداء تصعيدًا سياسيًّا وإعلاميًّا وأمنيًّا وعسكريًّا ضد الثلة المؤمنة، فكانت الهجرة هي الخيار البديل أمام هذه الثلة، لكن مع ذلك لم تكن هجرة محمد (عليه الصلاة والسلام) كهجرة أيٍّ من الأنبياء الذي هاجروا فارّين من الظلم والقهر والحصار، وهي بذلك أسستْ لمفهوم جديد للهجرة، أصبح رسالةً نحملها نحن المسلمين، ومن الواجب علينا الالتزام بها.
أولًا: إن خروج النبي موسى (عليه السلام) من مصر يمكن أن نعده إعلانًا لانهيار دولة الظلم، وقد كان النجاح في الخروج ببني إسرائيل من مصر تفكيكًا لمراكز الظلم والفساد.
لكن هجرة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) كانت سعيًا حثيثًا لإقامة مجتمع جديد، وإنشاء دولة جديدة تقوم على الإنسانية والأخلاقية والعالمية، دولة تبصر النور وسط غياهب الجاهلية، فتعلم الناس قيم العدل والمساواة ... إلخ.
ونلاحظ هنا أنه كما كان الهدم -هدم صروح الكفر وضرب مراكز الفساد وتفكيك دولة الطاغية المستبد- مهمة تناسب طبيعة هجرة النبي موسى والأنبياء جميعهم، فإن البناء -بناء النفوس وبناء المجتمعات والدول والحضارات- مهمة تناسب طبيعة هجرة خاتم الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه وسلم).
ثانيًا: الخروج من مصر كان نهاية الصراع بين كليم الله وعدو الله، فقد حسم الأمر بهلاك فرعون وجنوده، أما خروج خاتم النبيين (صلى الله عليه وسلم) من مكة فلم يكن نهاية الصراع بين معسكري المسلمين والقرشيين، بل أعطت الهجرة قانون (التدافع بين الحق والباطل) أشكالًا جديدة، وأهمها الحرص على الأخذ بيد من في قريش بأي وسيلة لينضموا إلى معسكر المسلمين، فنجدهم مع مرور الوقت قد انضموا للمسلمين ونجوْا جميعًا.
ثالثًا: الهجرة بِنيّة العودة، فقد هاجر النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وهو يحمل نية العودة فاتحًا، وكان له ذلك بعد ثماني سنوات، أما هجرة موسى وباقي الأنبياء (عليهم السلام) فكانت بلا عودة ولا رجعة، وكانت طلاقًا بائنًا للأرض التي نشئوا وبُعِثوا فيها.
ومن هذه النقاط الثلاثة نعطي ثلاث إشارات لشبابنا الذين يحاول الاحتلال تهجيرهم، بحصار وحروب وغسلٍ للعقول، وهي كالتالي:
إن لم تكن هجرتكَ للبناء والتأسيس للجديد على صعيد حياتك الشخصية وعلى صعيد وطنك؛ فلا تهاجر.
إن كانت هجرتك هروبًا من رسالتك في هذه الحياة، وتخليًا عن أهلك وناسك، فلا تهاجر.
إن كانت هجرتك بِنية عدم العودة، والطلاق البائن لوطنك وأرضك، فلا تهاجر.