يصف الخبير في شؤون الاستيطان صلاح الخواجا الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية -وفيها القدس المحتلة- بـ"السرطان"، الذي يتفشى دون وجود علاج سياسي ناجع لدى السلطة في رام الله حتى اللحظة لمكافحته.
ويقول الخواجا في حديث إلى صحيفة "فلسطين": "إنَّ الوقائع على الأرض تشير إلى سلسلة من الإجراءات التي تتخذها حكومة الاحتلال على الأرض، لتعزيز الاستيطان الموجود وتوسيعه"، مشددًا على أن ذلك يقضي عمليًّا على مستقبل الدولة الفلسطينية.
ويفيد أن الاحتلال الإسرائيلي يخطط عمليًّا إلى جانب ذلك وفق برنامج وضعه لأنّ يصل عدد المستوطنين خلال السنوات الأربع القادمة إلى نحو مليوني مستوطن، ينتشرون في مستوطنات الضفة الغربية، وفيها القدس.
وقبل اتفاق أوسلو كان المستوطنون يجثمون فوق 1.6% (المستوطنات المبنية) من مساحة الضفة الغربية (5800 كلم2 من أصل 27 ألفًا هي مساحة فلسطين التاريخية)، في حين يقدر مخططها الهيكلي بـ6%.
وارتفع تعداد المستوطنين من نحو 105 آلاف مستوطن قبل اتفاق أوسلو، الموقع بين منظمة التحرير والاحتلال، إلى أكثر من 700 ألف يجثمون الآن فوق 60% من أراضي الضفة المندرجة تحت مسمى مناطق "سي" الخاضعة لسيطرة الاحتلال ومناطق "النفوذ الإستراتيجي".
وارتفع عدد المستوطنات ليصل إلى 145 مستوطنة في الضفة و15 بالقدس، إضافة إلى نحو 120 بؤرة استيطانية، وفق إفادة مراقبين.
وينبه الخواجا إلى أنَّ الاحتلال هيأ عمليًّا الأرض في الضفة لتوسيع الاستيطان، بسلسلة خطوات متراكمة منذ 1967م، وقد زادت هذه الخطوات شراسة من بعد سنة 2000م وبدء انتفاضة الأقصى، وإقامة جدار الفصل العنصري الذي اخترق عمق أراضي الضفة الغربية، إلى مسافة تصل في بعض المناطق إلى 20 كيلومترًا، والتف على شرقي القدس بشكل يعزل تلك المنطقة عن بقية الضفة.
ويؤكد أنَّ الضفة قُطعت عمليًّا مع توسع الاستيطان وازدياد المساحات التي سلبها، وتقسيم الضفة إلى مناطق "أ" و"ب" و"ج"، وعدم ترك الاحتلال أيًّا من هذه المناطق إلا وقد تغلغل بداخلها.
ويشدد على أن الأخطر في خطوات الاحتلال والأحدث محاولته ربط الكتل الاستيطانية معًا، ثم ضمها تحت جناح دولة الاحتلال ككل، وإعلان ما يسميها "سيادته" عليها.
ووفق رأيالخواجا إن وجود دونالد ترامب على سدة حكم الولايات المتحدة الأمريكية شجّع بشكل يفوق التصور الاحتلال لتسريع تنفيذ مخططاته، وبسط سيطرته على الضفة والقدس المحتلتين، دون أي عقبات.
ويقول: "إنَّ مدينة القدس وحدها الآن يشن عليها أكبر عملية تطهير عرقي وتهويد، وليس فقط إقامة الاستيطان داخلها، فحكومة الاحتلال تفرغ المدينة من سكانها الفلسطينيين تحت سطوة القوة والقوانين المسنة لهذا الغرض عبر (الكنيست)".
وينبه الخواجا إلى أنَّ دولة الاحتلال عزلت أكثر من 145 ألف فلسطيني من القدس خارج المدينة، والآن تخطط لعزل ثماني قرى بمن فيها من سكان أصليين، وطرد الآلاف، مؤكدًا أن القدس هي الأكثر تضررًا من بين المدن الفلسطينية نتيجة السياسة الاحتلالية المتبعة تجاهها.
ويسابق الاحتلال الزمن كما يتحدث الخبير في شأن الاستيطان لإكمال عملية تهويد القدس، وتحقيق الحلم الختامي التمثل بإقامة ما تسمى "القدس الكبرى"، وفي وقت متزامن إعلان "ضم الضفة".
وفي آب (أغسطس) الماضي، أظهرت معطيات وثقها تقرير الاستيطان الصادر عن المكتب الوطني للدفاع عن الأرض التابع لمنظمة التحرير، أن البناء الاستيطاني في محيط مدينة القدس المحتلة وصل منذ فوز ترامب في انتخابات الرئاسة الاميركية إلى مستويات قياسية مقارنة بالسنوات الـ20 الأخيرة.
ووفقًا للتقديرات الاحتلال أقام منذ إكمال احتلال القدس سنة 1967م عشرات المستوطنات في محيط المدينة وأقام فيها أكثر من 55 ألف وحدة استيطانية على أقل تقدير، وطرأ خلال المدة بين 2017م و2018م تصاعد هائل في وتيرة البناء الاستيطاني في المدينة المحتلة، إذ صدق على بناء 1861 وحدة استيطانية جديدة، بارتفاع يبلغ 58% مقارنة بعامي 2015م و2016م.
وينبه الخواجا إلى أنَّ سياسات الاحتلال الاستيطانية في الضفة -وفيها القدس- تتطلب جهودًا جماعية مشتركة من كل القوى والفعاليات والجهات الرسمية لصدها ووقفها، مضيفًا: "لا يتطلب الاستيطان التحذير من خطورته بقدر ما يتطلب خطوات عملية لصده".
ويكمل: "الاحتلال يحطم مشروع الدولة الفلسطينية والحلم الفلسطيني، وبات الآن يسيطر بشكل كامل على 65% من الضفة (ويستبيح النسبة المتبقية)، ويقوم بعملية تهويد لا تتوقف عجلتها"، مطالبًا بنهضة فلسطينية كاملة إزاء ذلك.
"كانتونات"
ويوضح أنَّ ما يجري من استيطان في الضفة والقدس هو تنفيذ لبرامج أحزاب الاحتلال، لاسيما حزب ليكود اليميني بزعامة بنيامين نتنياهو، الذي يقوم على نهب أراضي الضفة و"ضم المستوطنات" ووضع الفلسطينيين في كانتونات يتحكم فيها الاحتلال.
ويشدد الخواجا على أن السبل مفتوحة و"غير منقطعة الأمل" لمواجهة الاستيطان، باستنهاض الطاقات الشعبية وإشعال انتفاضة حقيقية، على قاعدة "أننا لسنا في مرحلة حل بل في مرحلة نضال وكفاح".
لكن السلطة الفلسطينية في رام الله لا تزال تتمسك بالمفاوضات، التي لم تفض إلى شيء لمصلحة الفلسطينيين، خيارًا إستراتيجيًّا في التعامل مع الاحتلال، كما أنها تواصل التنسيق الأمني معه، وتبقي على قرارات المجلس المركزي بوقف الالتزام بأوسلو، حبيسة الأدراج.
ويؤكد وجود حالة تردد لدى المستوى الرسمي الفلسطيني في رام الله، لمواجهة الاستيطان، ويستبدل بهذه المواجهة محاولات إقناع دول العالم بالحل عبر الطرق الدبلوماسية، مضيفًا :"هذا غير كافٍ؛ فالمطلوب أكبر من ذلك بالضغط على المجتمع الدولي، وجعل منظماته الدولية تحترم ما أقرته من مواثيق واتفاقيات ومعاهدات في إطار الأمم المتحدة أو مجلس الأمن وباقي المنظمات، أو فضحها بكونها جزءًا من منظومة ممارسة الإرهاب التي يقودها المجرمان ترامب ونتنياهو".
وتنتهك هذه السياسة التي يتبعها ترامب ونتنياهو، القرارات الدولية، ومنها قرار مجلس الأمن في 2016م، الذي أدان الاستيطان الإسرائيلي فيما يعرف بحدود 1967م، وطالب بوقفه فورًا.