فلسطين أون لاين

السلطة غير قادرة على ممارسة أي دور سيادي

تفكجي لـ"فلسطين أون لاين": الاحتلال ينفّذ "تطهيرًا عرقيًا" بحق التّجمعات البدوية وخطط ضمّ الضّفة جاهزة بالفعل

...
غزة- القدس المحتلة/ محمد الأيوبي

قال مدير دائرة الخرائط والمساحة في بيت الشرق، د. خليل تفكجي، إن الاحتلال "الإسرائيلي" ضم فعليًا الضفة الغربية المحتلة، وأن 82% من مساحتها باتت تحت سيطرته "الإسرائيلية"، مؤكدًا أن إقامة دولة فلسطينية ذات تواصل جغرافي أصبح من المستحيلات.

وأوضح تفكجي في حوار مع "فلسطين أون لاين"، أن الأغوار التي تشكل ثلث مساحة الضفة الغربية، بالإضافة إلى مناطق "ج" التي تمثل 60% من إجمالي الضفة، باتت تخضع لسيطرة إسرائيلية كاملة من الناحيتين المدنية والأمنية.

وشدّد على أن ما يجري حاليًا في هذه المناطق هو عملية "تطهير عرقي" بحق التجمعات البدوية تستهدف تقليص عدد السكان الفلسطينيين لصالح التوسع الاستيطاني "الإسرائيلي"، بهدف السيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأرض بأقل عدد من السكان.

وكان وزير المالية "الإسرائيلي" ووزير الشؤون المدنية بوزارة جيش الاحتلال " بتسلئيل سموتريتش" أعلن الإثنين الماضي، إصدار تعليمات لإدارة الاستيطان لإعداد خطط تطبيق السيادة على أراضي الضفة الغربية، مؤكدا أن 2025 "سيكون عام السيادة".

ومؤخرًا، كشفت هيئة البث "الإسرائيلية" أن خطط ضم الضفة الغربية لـ(إسرائيل) جاهزة بالفعل وعملت عليها (إسرائيل) منذ عام 2020 خلال الولاية الرئاسية الأولى للرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بوصفها جزءا مما سمي بـ"صفقة القرن"، وتشمل الخطط خرائط مفصلة وأوامر توسيع المستوطنات وصياغة لقرار حكومي.

تنفيذ الضم

وعن ذلك، يقول تفكجي إن الاحتلال يعمل منذ عقود على تنفيذ برامج ومشاريع تهدف إلى ضم الضفة الغربية بشكل فعلي، حيث بدأت هذه البرامج منذ عهد حزب العمل بمشروع "ألون" الذي ركز على السيطرة على الأغوار، وصولًا إلى مشروع عام 1979 الذي وضعه "متتياهو دروبلس"، رئيس الوكالة الصهيونية آنذاك، والذي استهدف توطين مليون مستوطن في الضفة الغربية.

وأشار إلى تنفيذ الأمر العسكري رقم 50 الخاص بالطرق والصادر عام 1983، الذي يهدف إلى تقسيم الضفة الغربية بشكل طولي وعرضي عبر شبكة من الطرق والبنى التحتية المصممة لخدمة المستوطنات فقط، وهو ما يعزز عزلة المناطق الفلسطينية ويعمق السيطرة الإسرائيلية عليها.

كما أن الاحتلال يطبق القانون "الإسرائيلي" على المستوطنين في الضفة الغربية، باعتبار المستوطنات جزءًا من (إسرائيل)، في المقابل، يخضع الفلسطينيون في المناطق نفسها للقانون العسكري، في تكريس للسيطرة "الإسرائيلية"، وسحب صلاحيات الحاكم العسكري، وحوّلها إلى الإدارة المدنية الخاضعة لسيطرة الوزير المتطرف "سموتريتش"، بهدف تسريع المصادقة على المخططات الهيكلية وتوسيع المستوطنات.

وإذا أضفنا إلى ما يجري من إقامة الشوارع العريضة التي تقسم شمال الضفة الغربية بشكل طولي وعرضي، والتوسع الاستيطاني، وسيطرة ما يُعرف بـ"الراعي العبري" على أكبر مساحة من الأراضي بأقل عدد من السكان الفلسطينيين، والحديث تفكجي، "نجد أن الاحتلال قد أتم عملية الضم بشكل فعلي، ولكنه يحتاج فقط إلى قرار سياسي. وهذا يشبه ما حدث في عام 1967 عندما ضمت (إسرائيل) مدينة القدس، حيث تم فرض القانون الإسرائيلي والإقامة الدائمة على سكانها الفلسطينيين دون منحهم المواطنة".

وأضاف تفكجي، أن الاحتلال لا يتردد في تنفيذ سياساته بخصوص الضم، خاصة مع الدعم الأمريكي، الذي اعترف بالقدس عاصمة لـ(إسرائيل) وبسيادته على الجولان السوري المحتل، كما اعترف بالسيطرة الإسرائيلية على القدس بشطريها الشرقي والغربي، مشددًا على أن قرار ضم الضفة الغربية هو سياسي إسرائيلي "فإذا صدر قرار من "الكنيست" بهذا الشأن، فمن المؤكد أنه سيتم المصادقة عليه".

وترى (إسرائيل) أن وصول ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة سيمكنها من تحقيق جميع أهدافها دون ضغط دولي، لا سيما مع قرارته الداعمة لـ(إسرائيل) خلال ولايته السابقة بضم الجولان السوري المحتل ونقل السفارة الإسرائيلية إلى القدس المحتلة.

ولفت الخبير في شؤون الاستيطان، إلى أن سحب الصلاحيات المدنية من مناطق "ب"، حيث ينص اتفاق "أوسلو" على أن السيطرة الأمنية في هذه المناطق تعود لـ(إسرائيل)، بينما تظل السيطرة المدنية بيد الفلسطينيين، أدى فعليًا إلى أن 82% من مساحة الضفة الغربية أصبح تحت السيطرة الإسرائيلية.

وتتقسم أراضي الضفة الغربية إلى 3 مناطق وفق اتفاق "أوسلو"، وهي منطقة "أ" تخضع أمنيًا وإداريًا للسلطة الفلسطينية، ومنطقة "ب" تخضع إداريا للسلطة وأمنيا لـ(إسرائيل)، ومنطقة "ج" تخضع أمنيا وإداريا بالكامل للسيطرة "الإسرائيلية".

ونتيجة استمرار سياسية الاستيطان وهيمنة واقتحامات الاحتلال، لم تستطع السلطة الفلسطينية إدارة المناطق التابعة لها وفق اتفاق أوسلو، مما أدى إلى قضم مزيد من الأراضي الفلسطينية وزيادة أعداد المستوطنات، بالرغم من مخالفة ذلك للقانون الدولي.

الدولة الفلسطينية

وبشأن إمكانية قيام دولة فلسطينية، أكد تفكجي أن إقامة دولة فلسطينية ذات تواصل جغرافي أصبح من المستحيلات، بعد أن نجح الاحتلال في تقطيع أوصال الضفة الغربية طوليًا وعرضيًا عبر شبكة طرق ومستوطنات تعزل المناطق الفلسطينية عن بعضها البعض، وعبر بوابة واحدة يعلق المناطق الفلسطينية، في حين أن وصول الفلسطينيين باتوا يحتاجون إلى إذن "إسرائيلي" للانتقال بين المناطق.

وأشار إلى أن الحديث عن إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس غير ممكن إلا إذا تم تفكيك المستوطنات، وهو أمر يتطلب قرارات سياسية ودولية باعتبار الاستيطان غير شرعي. إلا أن الاحتلال، وفقًا لتفكجي، يستغل الدعم الدولي الموالي له لتنفيذ مخططاته الاستيطانية.

ورأى أن في الضفة الغربية يوجد دولتان: الأولى هي دولة المستعمرات "الإسرائيلية" التي تتمتع بتواصل جغرافي كامل، مع شبكة من الشوارع والبنية التحتية المتطورة مثل الأنفاق والجسور، أما الثانية، فهي التجمعات الفلسطينية التي تفتقر إلى التواصل الجغرافي، حيث ترتبط ببعضها عبر الأنفاق فقط.

ويدلل على حديثه بأن للوصول إلى رام الله وغربها، يجب المرور عبر أنفاق تتحكم فيها (إسرائيل)، ما يعني أن الفلسطينيين لا يعيشون في دولة متواصلة جغرافيًا، بل في مناطق معزولة يمكن لـ(إسرائيل) إغلاقها في أي لحظة، وبالتالي، فإن الدولة الفلسطينية غير موجودة على الإطلاق.

ووفق تفكجي فإن السلطة في رام الله باتت تتحول إلى "سلطة بلديات"، تقتصر على إدارة المناطق الصغيرة، مشيرًا إلى أن الفلسطينيين لا يملكون سوى 18% فقط من مساحة الضفة الغربية، محشورين في كنتونات معزولة.

ورأى أن السلطة لم تعد قادرة على ممارسة أي دور سيادي حقيقي، حيث اقتصر عملها على تنظيم الأمور المحلية، مثل التنظيف وتوفير الرواتب، دون القدرة على تحقيق أي تغيير حقيقي في الواقع الفلسطيني.

ونبه إلى أن الواقع يثبت أن القوي هو من يفرض ما يريد، وأنه يجب على الفلسطينيين أن يتجاهلوا القانون الدولي في ظل التطبيق المتحيز لصالح الاحتلال.

3 خيارات

وعن الخيارات الفلسطينية، قال تفكجي إن الفلسطينيين في الضفة الغربية أمامهم ثلاث خيارات في ظل الاحتلال، وهي إما أن يصبحوا عمالًا لديه، أو يُقتَلوا، أو يضطرون إلى الهجرة، مشيرًا إلى أن التضييقات ستزداد بشكل كبير في المرحلة المقبلة، وأن الرؤية المستقبلية قاتمة بالنسبة للفلسطينيين في الضفة.

وأوضح أن الرؤية "الإسرائيلية" تهدف إلى القضاء على القضية الفلسطينية عبر تحجيم المقاومة وتقويض أي تحرك يخص حقوق الشعب الفلسطيني، خاصة مع وجود "صهاينة عرب" يعملون في هذا الاتجاه، مشيرًا إلى أن الاحتلال يواجه تحديات كبيرة نتيجة الضغوط والمقاومة المتواصلة من الفلسطينيين.

وأضاف: أن "السلطة الفلسطينية لا تملك أي خيارات حقيقية"، مشيرًا إلى أن اتفاقية "أوسلو" حولتها إلى سلطة بلا صلاحيات، ما يعيق قدرتها على التأثير أو اتخاذ خطوات فعالة في مواجهة الاحتلال.

وذكر أن (إسرائيل) تهيمن على الاقتصاد في الأغوار وكافة المناطق الفلسطينية، حيث تتحكم بالموارد الأساسية مثل المياه والكهرباء، والاستثمارات في الزراعة تصل إلى نحو 850 مليون دولار سنوياً، فيما تظل السيطرة على البحر الميت أيضًا بيد الاحتلال، ما يعني أن (إسرائيل) تسيطر بالكامل على هذه المناطق الاقتصادية.

وأشار تفكجي إلى أن قضية الضم ليست فقط فرض السيادة الإسرائيلية على الأراضي، بل تهدف إلى ضم الأراضي الفلسطينية دون سكانها. وشرح أن الفلسطينيين في هذه المناطق يُعتبرون مقيمين دائمين، مما يعني أنه يمكن سحب هويتهم في أي وقت ويصبحون "بدون"، كما حدث مع 15 ألف فلسطيني في القدس الذين تم سحب هوياتهم، مما جعلهم يعيشون بلا هوية.

وقدر مركز الإحصاء المركزي "الإسرائيلي" أعداد المستوطنات بالضفة الغربية بنحو 144 مستوطنة، بما في ذلك 12 في شرقي القدس، بالإضافة إلى نحو أكثر من 100 بؤرة استيطانية غير قانونية بالضفة، تنتشر بمعظمها في أراضي المنطقة "ج"، وبعضها بالمنطقة "أ".