قبل سبعين عاما، اجتمع العالم في الأمم المتحدة واتخذ قرار رقم 302، بإنشاء وكالة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا".
وبعد سبعين عاما أثار الرئيس الأمريكي ترامب القلق العميق بعد أن كشف عن مخططه لتصفية الأونروا كإحدى خطوات تصفية قضية اللاجئين، بعدما نجح حسب اعتقاده في إنهاء أحد أهم قضايا الحل النهائي وهو ملف القدس التي نقل سفارة بلاده اليها كعاصمة "لإسرائيل" في 6 ديسمبر/ الأول الماضي.
نتنياهو التقط الفرصة في 7 يناير/ كانون الثاني داعيا إلى حل "أونروا" وإلحاقهم بالمفوضية العليا لشؤون اللاجئين. وزارة الخارجية الأميركية استجابة للدعوة "الإسرائيلية"، وأعلنت في 16 يناير عن الاكتفاء بتقديم 65 مليون دولار كتبرع للوكالة بدلا من 365 دولار كانت تقدمها للأونروا على مدار السنوات الطويلة الماضية وتمثل ربع موازنتها السنوية.
المبعوث الرئاسي الأميركي لجيسون غرينبلات أكمل اللوحة بقوله أمام القناصل الأوروبيين في القدس في 3 فبراير/ "إن صفقة القرن في مراحلها الأخيرة، وإن الفلسطينيين ليسوا طرفا مقررا في تطبيقها، وأنها مخصصة للإقليم وليس لهم وحدهم، وإن الولايات المتحدة تريد إنهاء عمل "أونروا"، بكل ما تمثله الأونروا معنويا كأكبر شاهد دولي على النكبة الفلسطينية، ما يشكل محاولة لنسف حق العودة.
تزعم إدارة ترامب أن استمرار الأونروا يسهم في استدامة الصراع الفلسطيني – "الإسرائيلي.
كوشنر وهيلي يرون الأونروا جزءا من المشكلة وليست جزءاً من الحل، ويرغبون بإعادة تعريف اللاجئ بحيث تشطب تعريف الأمم المتحدة لهم بأنهم "كل من طردوا من ديارهم بسبب الحرب أو الاضطهاد أو العنف، ويتضمن ذلك أبناءهم وأحفادهم، ما دام التشريد لا يزال مستمراً، ويحتفظ جميع اللاجئين المسجلين في الأمم المتحدة بـ "حق العودة" المعترف به دولياً لأراضيهم ومنازلهم.
في حين تطالب إدارة ترامب الأونروا بحصر من يحمل صفة اللاجئ فلسطينياً في مَن تبقى من الجيل الذي عايش نكبة عام 1948، وتحديد عددهم بنصف مليون شخص على الأكثر؛ أي عُشُر العدد المسجل لدى الأونروا.
وتضغط (إسرائيل)، ومسؤولون في إدارة ترامب لنقل مسؤولية هؤلاء النصف مليون فقط من الأونروا إلى "المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين"، كغيرهم من لاجئي العالم ونازحيه.
التحضير للاستحقاق الكبير الخاص بتجديد الولاية للوكالة، بدأ في الوقت الذي يعقد فيه اجتماعًا طارئًا بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، لمؤتمر المشرفين على شئون الفلسطينيين في الدول العربية المضيفة للاجئين لمناقشة ملف تجديد تفويض عمل "الأونروا" وأزمتها المالية.
حيث دعا المؤتمر الأمانة العامة وبعثاتها في الخارج ومجالس السفراء العرب لمواصلة جهودها في تفعيل قنوات الاتصال الدبلوماسية والسياسية مع دول العالم لحثها على التصويت لصالح دعم تجديد التفويض لوكالة الغوث الدولية.
ودعوة كل من سويسرا وهولندا وبلجيكا للتراجع عن تأجيل دعمها المالي للوكالة، وعدم ربط مزاعم قضايا الفساد التي لم تثبت حتى الآن، بوقف أو تعليق التمويل بل بتعزيز آليات المراقبة والمحاسبة والإشراف، باعتبار الوكالة مؤسسة أممية وليست مؤسسة فردية خصوصا في ظل التقييمات الإيجابية لشبكة تقييم أداء المنظمات المتعددة الأطراف "موبان" ولجان الرقابة والتدقيق في الأمم المتحدة.
جدير بالذكر أن تجديد ولاية عمل "الأونروا" يتم على مرحلتين، أما المرحلة الأولى فتعقد فيها اجتماعات مصغرة، قبل الوصول إلى التصويت العام في الجمعية العامة للأمم المتحدة في الأول من ديسمبر.
حيث سيعقد اجتماعًا عالي المستوى في الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال الأيام القادمة، لمناقشة مجموعة من القصايا منها قضية تجديد ولاية "الأونروا"، لكن الاجتماعات الحقيقية والخاصة بالتجديد تبدأ في شهر نوفمبر القادم.
ويبدأ التصويت في اللجنة الرباعية لمقاومة الاستعمار، ويتم التصويت في هذه اللجنة المصغرة على تجديد ولاية "الأونروا"، لكن التصويت الكبير والعام في الجمعية العامة للأمم المتحدة يكون في الأول من ديسمبر القادم.
لكن يمكن القول إن التصويت هذا العام مهم ومختلف نظرًا للتحديات السياسية والمالية التي تواجهها الوكالة، كونه يعني أن المجتمع يوافق على بقاء الأونروا، وأنها لا زالت مهمة وحيوية في تقديم الخدمات لملايين اللاجئين الفلسطينيين، وحيوية للاستقرار في المنطقة.
حيث بات تجديد ولاية الوكالة يتعلق اليوم باستقرار واستمرار الكثير من الملفات منها التنمية البشرية، الصحة، التعليم، والإغاثة، إضافة إلى خدمات أخرى تم استحداثها على خريطة عمل الوكالة مثل القروض.
وتحاول إدارة ترامب هدم صورة الأونروا من خلال اتهامها عبر تقرير لمكتب الأخلاقيات التابع للأمم المتحدة، بسوء الإدارة واستغلال السلطة من قبل مسؤولين من أعلى المستويات في "الأونروا"، مدعومة بتصريحات غرينبلات، ونيكي هيلي، ومندوب (إسرائيل) بالأمم المتحدة داني دانون، الذين دعوا إلى تصفية "الأونروا".
علما أن وجود "الأونروا" لا يتعلق برغبات أشخاص أو دول، ببساطة لأنها مرتبطة بقرار الأمم المتحدة رقم 302، "ومناط التغيير أو المساس بهذا القرار متعلق بالجمعية العامة للأمم المتحدة.