أجمع مختصون فلسطينيون على أن (إسرائيل) انتهجت منذ إقامتها على أرض فلسطين التاريخية إثر النكبة الفلسطينية عام 1948، سياسة تجزئة الملفات الفلسطينية وتشتيتها حتى يسهل فرض إملاءاتها بما يخدم مصالحها التوسعية الاستيطانية.
وبالنظر إلى سلوك سلطات الاحتلال سياسيًا وميدانيًا نجد أنها تعاملت مع قضايا الفلسطينيين (القدس وتهويدها، الاستيطان في الضفة الغربية ومصادرة الأراضي، الأسرى في السجون الإسرائيلية، وحصار قطاع غزة) كلٍّ على حدة بما يخدم هدف التهويد.
وأوضح المختص في شؤون الاستيطان عبد الهادي حنتش، أن (إسرائيل) معنية بتشتيت القضايا والمجتمع الفلسطيني مثلما حصل في قطاع غزة والضفة الغربية، وهي ليست بريئة من الانقسام الفلسطيني كون الاتفاق الفلسطيني يوقف مصالحها.
وأوضح لصحيفة "فلسطين" أن سلطات الاحتلال عملت بهذه الاستراتيجية منذ بداية الاحتلال عام 1948، مؤكدًا أن ذلك يتطلب من الشعب الفلسطيني رسميًا وشعبيًا إدراك سياسة الاحتلال التفكيكية تجاههم، وردم جميع الخلافات الداخلية والعودة إلى الوحدة الوطنية من أجل التصدي للاحتلال.
وشدد على أن توافر الوحدة الوطنية من شأنه توحيد القضايا الفلسطينية بما يفوّت على الاحتلال فرصة تذويب الشعب الفلسطينية بتلك المخططات.
الاستيطان في الضفة
وحول ملف الاستيطان في الضفة الغربية، بين حنتش أن تصنيف أراضي الضفة الغربية إلى مناطق (أ، ب، ج) ضمن خطوط عريضة للسياسة الإسرائيلية سهل مصادرتها والاستيلاء عليها، وفرضت (إسرائيل) تلك التقسيمات في اتفاقيات "أوسلو".
وأكد أن الاستيطان لن يتوقف إلا بالقوة، "فـ(إسرائيل) لا تفهم لغة السياسة والمهادنة والمفاوضات، ولا تفهم إلا لغة القوة، وما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة".
تهويد القدس
من جهته أوضح رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد "همة" ناصر الهدمي، أن الاحتلال لجأ لفكفكة القضايا الفلسطينية من أجل تنفيذ مخططاته بهدوء بحيث لا يلاحظ الطرف الآخر التغييرات البسيطة، وفي المقابل يتم تنفيذ المخطط كاملًا دون استفزاز الفلسطينيين.
ودلل الهدمي في حديثه لصحيفة "فلسطين" على ذلك بما يفعله الاحتلال في مدينة القدس، العنصر في الصراع الفلسطيني والعربي والإسلامي مع (إسرائيل)، نظرًا لبعدها الإسلامي الذي جعل منها عنصرًا مؤثرًا ومحركًا لمشاعر المسلمين عمومًا، والفلسطينيين خصوصًا، والتي أصبحت تؤثر على حياة الفلسطينيين الشخصية.
وقال: "فكك الاحتلال قضايا مدينة القدس بشكل كبير ثم تحرك ببطء شديد استراتيجي بعيد المدى، حتى يأتي اليوم الذي ينظر فيه المقدسي إلى حاله -وهو واقع اليوم- فيجد نفسه لم يلحظ هذه التغيرات لتصبح حياته مرتبطة كليًا بالاحتلال".
فبدأ الاحتلال يعرض على المقدسيين حصولهم على الهوية الزرقاء الإسرائيلية، مقابل حوافز ومنافع مادية، واليوم يتحدث عن إعطاء الجنسية الإسرائيلية للمقدسيين وهذا أمر خطير جدًا، كونه يُحول المقدسي من ابن شعب محتل له الحق في استعادة أرضه ومقاومة الاحتلال إلى مواطن في هذه الدولة له حقوق وعليه واجبات لهذه الدولة، وفقًا للهدمي.
ولفت إلى أن الاحتلال لم يتحدث عن طمعه في السيطرة على المسجد الأقصى -منذ احتلال القدس- كما لم يكن يسمح بدخول المستوطنين إلى ساحاته، ولكن مع تغير الواقع شيئًا فشيئًا وصلنا لهذه الحالة.
وذكر أن الأمر نفسه حدث في باب العامود الذي كان يشكل أيقونة من أيقونات مقاومة الاحتلال، "كنا نرى أبناء الضفة الذين يريدون تنفيذ عمل مقاوم ضد جنود الاحتلال يذهبون لباب العامود نظرًا لتواجد جنود الاحتلال هناك دومًا، لذلك ركز الاحتلال على هذا المكان الذي يعد بالنسبة له مدخلا رئيسا للمستوطنين الذين يريدون الوصول لحائط البراق".
وتابع الهدمي: "بات باب العامود يشكل ثغرة أمنية بالنسبة للاحتلال ويجب السيطرة عليه، مما جعله يبني ثلاثة أبراج مراقبة على مدخل الباب وفرض تواجد كبير لجنود الاحتلال، وفي ذات الوقت منع تواجد المقدسي أمام مدرجاته، وهذا التغيير أثر سلبًا على المقدسيين".
واستطرد بالقول: "حتى القضية الأخطر في تاريخ القضية الفلسطينية، وهي اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالقدس عاصمة لـ(إسرائيل)، فلم تكن ردة فعل المقدسيين بالمستوى المطلوب، لأنهم لم يشعروا بأثر القرار المباشر عليهم كما اليوم من خلال الإجراءات الإدارية في المدينة".
الأسرى في السجون
ومن جهة أخرى أوضح مدير مكتب إعلام الأسرى ناهد الفاخوري، أن الاحتلال يسعى بسياسة تجزئة الملفات الفلسطينية إلى تبهيت القضية وإفراغها من مضمونها، وإحباط الطرف الآخر.
وقال الفاخوري لصحيفة "فلسطين": "من المؤكد أن أسلوب المماطلة والتسويف وتفرقة الملفات له عامل معنوي وتأثير سلبي على القضايا".
وبيّن أن قضية الأسرى تحديدًا، يكون تحقيق الإنجازات فيها تحت الضغط، بمعنى أن إدارة السجون تُجبر على الاستجابة لمطالب معينة نتيجة خطوة احتجاجية ينفذها الأسرى، فتحاول الإدارة تفريغ تلك المطالب من مضمونها باتباع سياسة المماطلة والتسويف في تحقيقها.
وطرح مثالًا على ذلك: "حين تكون خطوة الاضراب أسبوعين أو ثلاثة، يحقق الأسير منها مطلبا معينا، لكن تنفيذ هذا المطلب يكون بحاجة لخطوات أخرى تضغط إدارة السجن من أجل التنفيذ".
وأوضح الفاخوري أن الاحتلال يهدف من هذه السياسة إلى بناء قناعة لدى الفلسطينيين بأن أي عمل احتجاجي غير مجدٍ مطلقًا لتحقيق أية مطالب، "ويجب الخضوع لإملاءاتنا وشروطنا في كل القضايا".
ويرى أن التفاهمات حول التهدئة في قطاع غزة، هي نسخة طبق الأصل عن التفاهمات داخل السجون في موضوع إضراب الأخير للأسرى الذي توصل إلى تركيب هواتف عمومية داخل السجون.
غزة تختلف
وأكد المختص في الشأن الإسرائيلي محمد حمادة أن الاحتلال ينتهج سياسة تجزئة المشاكل كما يفعل مع الجبهات "حتى لا يواجه الفلسطينيين كجبهة واحدة، ولا يواجههم موحدين في قضية واحدة".
وقال حمادة لصحيفة "فلسطين": "لكني لا أراه -الاحتلال- نجح في التعامل مع قطاع غزة بذات الطريقة، حيث إن وجود المقاومة الفلسطينية فرض عليه إملاءات مخالفة لمخططاته وتوقعاته".
وأضاف: "قبل مسيرات العودة كان الاحتلال يراهن على أن غزة وصلت إلى حافة الهاوية وأن الأوضاع فيها ستنهار سريعًا، ولا بد من التفكير بآلية لحكم غزة، لكن غزة شكلت تحديًا كبيرًا له نظرًا لوجود المقاومة الفلسطينية وحاضنتها الشعبية، التي توحدت على قرار مسيرات العودة وكسر الحصار، التي جعلت الاحتلال مضطرًا للتفاوض مع المقاومة في غزة من أجل التوصل للتفاهمات".
واستدرك بالقول: "في بداية الأمر عمل الحصار الإسرائيلي على عزل قضية غزة لوحدها، خصوصًا بعدما رفع الجانب الفلسطيني الرسمي ممثلًا برئيس السلطة محمود عباس اليد عن تبني قضايا غزة، ومحاولات الاحتلال التغول عليها وفرض قواعد اشتباك جديد، الأمر الذي دفع المقاومة للتصدي وتثبيت قواعد الاشتباك، بل ووضع قواعد اشتباك جديدة قبلت في ضوئها حلول الوساطات الخارجية".