فلسطين أون لاين

"تبين أن الاثنين توفيا أثناء احتجازهما"..

تحقيق "إسرائيليّ" يكشف عن اختفاء آثار مئات الأسرى الغزيين بعد احتجازهم

...
تحقيق "إسرائيليّ" يكشف عن اختفاء آثار مئات الأسرى الغزيين بعد احتجازهم
غزة/ فلسطين أون لاين

كشفت صحيفة "هآرتس" العبرية، عن اختفاء العديد من الفلسطينيين من قطاع غزة الذين اختطفهم جيش الاحتلال أثناء توغلاته البرية بالقطاع، ثم ادعى عدم معرفته بمكانهم أو مصيرهم.

وقالت هآرتس، في تحقيق نشر اليوم الإثنين، "منذ اندلاع الحرب (الإبادة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023) لم يُعرف مصير العديد من الفلسطينيين من قطاع غزة الذين كانوا محتجزين لدى الجيش الإسرائيلي".

وأضافت: "يدعي الجيش أنه لا يوجد مؤشر على اعتقالهم أو احتجازهم، رغم حقيقة أنه في المرة الأخيرة التي شوهدوا فيها كانوا محتجزين من قبل الجنود أو تم اعتقالهم".

وفي الأشهر الأخيرة، قدم الفلسطينيون والمنظمات الحقوقية 27 التماسًا للكشف عن مصير المفقودين، تم رفض معظمها. ومع ذلك، في بعض الحالات، اضطر الجيش إلى إعادة التحقيق واكتشف أن الأشخاص الذين ادعى عدم معرفته بمصيرهم كانوا إما محتجزين في مراكز الاعتقال أو قد توفوا (قتلوا).

واحدة من هذه الحالات هي حالة عبد الكريم الشنا، الذي اعتقل في نهاية يناير/كانون الثاني 2024 أثناء محاولته عبور حاجز للجيش جنوب خان يونس. كان الجيش قد أمر السكان بإخلاء المنطقة إلى منطقة المواصي، التي وُصفت بأنها "آمنة"، لكن الهجمات استمرت هناك.

ومنذ اعتقاله، لم تسمع عائلته أي أخبار عنه. وبعد شهور من البحث، جاءت الأخبار عبر أحد السجناء المفرج عنهم، الذي أكد أنه رأى الشنا في معتقل "شاكما" في عسقلان، حيث تعرض للتعذيب ولم تكن هناك مراتب للنوم.  

وعندما حاولت العائلة التنسيق لزيارة محامٍ له، أخبرها جهاز الأمن بأنه ليس محتجزًا في "شاكما"، بل في معتقل عوفر. لكن عند الاتصال بمركز مراقبة السجون، قيل لهم إنه "لا يوجد أي مؤشر" على اعتقاله أو احتجازه. وتكرر الرد نفسه في طلب آخر قدمته العائلة.  

وفي محاولة لتحديد مكان الشنا، حاولت عائلته كل ما في وسعها. وقالت ابنة أخيه، ضحى، التي تعيش في الضفة الغربية: "اتصلنا بوزارة الأسرى والصليب الأحمر ومنظمة الضمير، وكل منظمة يمكن أن نفكر فيها. ذهبنا إلى المدارس التي تُستخدم كملاجئ، وحاولنا الوصول إلى أي سجين مُفرج عنه لنسأل عنه".

والمفقود الشنا، البالغ من العمر 39 عامًا، لديه ستة أطفال، أحدهم، البالغ من العمر (17 عامًا)، تم اعتقاله أيضًا وتمكن محامٍ من زيارته في سجن مجدو.  

في سبتمبر/أيلول الماضي، تقدمت منظمة "موكيد لحماية الفرد" بطلب للكشف عن مكان الشنا. وبعد تقديم الالتماس، ردت محكمة الاحتلال بأنه محتجز في سجن عوفر بموجب إجراءات جنائية، وأن محاميًا زاره في مايو/أيار 2024 – دون علم عائلته. وادعت سلطات الاحتلال أن "هناك سهوًا في الرد المقدم للعائلة". ورفضت المحكمة الالتماس، معتبرة أن السهو "تسبب في إزعاج" ولكنه لا يبرر الاستمرار في القضية.  

ومنذ بداية الحرب، تم اعتقال المئات من سكان غزة، ونقل بعضهم إلى مراكز الاحتجاز داخل (إسرائيل)، بينما احتجز آخرون لفترات في القطاع. معظمهم احتجزوا بموجب قانون "المقاتلين غير الشرعيين"، الذي يسمح باحتجازهم لمدة 45 يومًا دون رؤية محامٍ. وفي بداية الحرب، كانت هذه الفترة تصل إلى 180 يومًا.

ورفضت سلطات الاحتلال لعدة أشهر تقديم أي معلومات عن مصير المعتقلين، بينما أوقفت في الوقت نفسه زيارات الصليب الأحمر لمرافق السجون. وبعد تقديم التماسات من منظمة "موكيد"، وافقت الدولة في مايو/أيار على توفير عنوان بريد إلكتروني يمكن للعائلات الاتصال به لطلب زيارة محامٍ بعد 45 يومًا من الاحتجاز.

ومن مايو/أيار إلى أكتوبر/تشرين الأول، قدمت المنظمة 901 طلبًا لتحديد مكان المعتقلين، تمت الإجابة على 501 منها، بينما قيل إنه "لا يوجد مؤشر" على اعتقال 400 آخرين.  

في بعض الحالات، تبين أن الأشخاص الذين ادعى الجيش عدم معرفته بمصيرهم كانوا محتجزين بالفعل. على سبيل المثال، تم اعتقال أحد سكان غزة في نهاية مايو/أيار 2024، وادعى الجيش أنه "لا يوجد مؤشر" على اعتقاله. ومع ذلك، تم إطلاق سراحه بعد شهرين، وقال إنه كان محتجزًا داخل القطاع طوال تلك الفترة.  

وهناك حالة أخرى تتعلق بمنير الفعاوي وابنه ياسين، اللذين ادعى الجيش أنه لا يوجد مؤشر على اعتقالهما. وبعد تقديم التماس، تبين أن الاثنين توفيا أثناء احتجازهما. وتم فتح تحقيق عسكري لا يزال مستمرًا حول وفاتهما.  

وفي حالة أخرى هي حالة والد عائلة عجور وابنته البالغة من العمر خمس سنوات، اللذين اختفيا بعد أن احتجزهم الجنود في مارس/آذار 2024. وقالت والدة العائلة: "أخبرنا أحد السجناء المفرج عنهم أنه رأى زوجي في سجن النقب، لكنه لم يعرف شيئًا عن حالته الصحية". ومع ذلك، رفضت سلطات الاحتلال الاعتراف باعتقاله.  

وقالت جيسيكا مونتال، مديرة مركز "هموكيد لحماية الفرد": "اختفت آثار مئات الأشخاص بعد احتجازهم من قبل الجنود. إما أن الجيش يرفض تقديم معلومات، أو أن الجنود لا يوثقون معاملة المدنيين على الإطلاق. المحكمة العليا أصبحت مجرد ختم لكل ما يقوله الجيش".

وكان مركز الدفاع عن الفرد "هموكيد" (حقوقي إسرائيلي غير حكومي) أكد في تقريره، أن " إسرائيل تحتجز مئات الأشخاص لفترات طويلة بمعزل عن العالم الخارجي، في أماكن مجهولة، دون إجراءات إدارية أو مراجعة قضائية، ودون السماح لهم بالاتصال بمحامين، ودون تقديم أي معلومات عن واقعة الاحتجاز ومكانه إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر أو إلى أي جهة أخرى، ودون تزويد الأسر بعنوان لتلقي معلومات موثوقة".

وأردف: "يبدو أن إسرائيل لا تحتفظ بأي آلية لتسجيل مصير أو ظروف الفلسطينيين الذين كانوا في أيدي القوات العسكرية في غزة، في تجاهل صارخ للالتزامات القانونية تجاه المعتقلين والسكان المدنيين بموجب قوانين الحرب".

وأشار إلى أن ذلك يشكل هذا انتهاكا لاتفاقية جنيف الرابعة، التي تتضمن الالتزام بتسجيل كل اعتقال لشخص محمي، والالتزام بإنشاء مركز معلومات لتوفير المعلومات حول المعتقلين والأشخاص المتوفين والأشخاص الذين فقدوا منازلهم.

وأضاف: "كل هذا يشكل انتهاكا منهجيا جسيما لالتزاماتها (إسرائيل) بموجب القانون الدولي".

ولفت المركز الحقوقي إلى أن "الإطار الذي استخدمته إسرائيل لاحتجاز المعتقلين من قطاع غزة هو قانون احتجاز المقاتلين غير الشرعيين الذي أقره الكنيست مباشرة عقب بدء الحرب والتعديلات اللاحقة في حين أن التزامات إسرائيل في احتجاز هؤلاء الأشخاص يجب أن تكون "التزامات القوة المحتلة التي تحتجز أشخاصًا محميين".

ولفت إلى أن العديد من العائلات تلجأ إلى مركز "هموكيد" في بحثها المحموم عن أحبائها، بعد أن فقدوا الاتصال بهم أثناء النزوح الجماعي أو قصف المباني المأهولة من قبل الجيش الإسرائيلي".

واليوم، أعلنت هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني، عن استشهاد أربعة معتقلين من غزة، بعد يوم واحد على الإعلان عن الشهيد أشرف أبو وردة، والشهداء هم: محمد رشيد عكه (44 عاماً)، وسمير محمود الكحلوت (52 عاماً)، وزهير عمر الشريف (58 عاماً)، ومحمد أنور لبد (57 عاماً)، ليرتفع عدد الشهداء المعلن عنهم خلال 24 ساعة الماضية إلى خمسة شهداء. 

وتلقّت المؤسستان نبأ استشهاد عكه عبر الهيئة العامة للشؤون المدنية، فيما تلقت عائلة الشهيد الكحلوت نبأ استشهاده عبر مؤسسة هموكيد، والشهيد الشريف من خلال محامي خاص حصل على ورقة تثبت استشهاده في سجن الرملة، والشهيد لبد عبر مؤسسة هموكيد. 

وبينت الهيئة والنادي، أنّ جميع هذه الردود التي تلقتها المؤسسات المختلفة حصلت عليها من جيش الاحتلال أو إدارة سجون الاحتلال، ونؤكد بأن هذه الطريقة الوحيدة المتاحة للكشف عن مصير معتقلي غزة التي أتاحتها التعديلات القانونية.  

وقالت هيئة الأسرى ونادي الأسير، إن ما يجري من ارتفاع في أعداد الشهداء الأسرى هو كارثة إنسانية متصاعدة، وتأكيد جديد على ما حذرنا منه أن الاحتلال ودون أدنى اعتبار للبشرية جمعاء يعمل على تصفية الاسرى بشكل ممنهج وعلني. 

ولفتت إلى أنه بلغ عدد الأسرى في سجون الاحتلال الذين اعترفت بهم إدارة السّجون حتى بداية شهر كانون الأول/ ديسمبر الجاري، أكثر من عشرة آلاف و300، فيما تواصل فرض جريمة الإخفاء القسري بحق المئات من معتقلي غزة في المعسكرات التابعة لجيش الاحتلال.