يعيش رئيس وزراء (إسرائيل) بنيامين نتنياهو كوابيس كثيرة لعل أبرزها وفي مقدمتها الكابوس الانتخابي، فهو ومنذ علمه بالاتفاق على تبادل الأصوات بين ليبرمان زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" وبيني جانتس زعيم كتلة "أزرق – أبيض" أيقن تماماً أنه لن يكون قادراً على تشكيل الحكومة، وبخاصة في ظل الانقسامات في معسكر الأحزاب الدينية واليمينية المتطرفة. أيضاً في ظل خوض إيهود باراك زعيم الحزب الجديد "الديمقراطي" الانتخابات، الذي أشار مراراً إلى إمكانية انضمامه لتحالف جانتس- ليبرمان. الكابوس الثاني لنتنياهو هو إمكانية محاكمته على أساس تهم بالفساد، وبخاصة بعد فشل مشروع قرار قدّمه للكنيست بعدم تقديم مطلقاً رئيس وزراء "إسرائيلي" للمحاكمة. الكابوس الثالث هو إمكانية تقديم زوجته سارة للمحاكمة وإمكانية سجنه وسجنها. الكابوس الرابع وهو الأهم، ما قاله الرئيس الفرنسي ماكرون، إثر انفضاض قمة الدول السبع في المؤتمر الصحفي المشترك مع الرئيس الأمريكي ترامب، عن إمكانية حقيقية لعقد لقاء قمة بين الأخير والرئيس الإيراني روحاني، فقد فاجأ ماكرون المجتمعين بحضور رئيس الدبلوماسية الإيرانية جواد ظريف إلى فرنسا وإنزاله في منتجع بياتريس، حيث عقدت القمة، وأعلن أن هذا الحضور تمّ بالتنسيق مع الرئيس الأمريكي، الذي أعلن هو الآخر استعداده للقاء روحاني. معروفة وجهة نظر نتنياهو في أهمية ضرب إيران عسكرياً، ولو أدّى ذلك إلى امتداد الحرب وإشعالها في كل منطقة الخليج.
كتب حيمي شليف في "هآرتس" قائلاً: التصريحات المتسامحة للرئيس الأمريكي تجاه إيران في قمة ال "جي 7" والخطوات الدبلوماسية الخفية التي سبقتها، أحرجت نتنياهو وأضرت بهيبته، لا سيما على خلفية التصعيد الشديد في المواجهة بين "إسرائيل" وطهران التي حدثت بموازاة ذلك من خلال ضرب قواعد في العراق وسوريا، وإرسال طائرات ملغومة مسيّرة إلى الضاحية الجنوبية في بيروت. يكفي التفكير بمدح ترامب لروحاني كي يثير الانفعال والذعر والهستيريا في مكتب رئيس الحكومة.
هكذا يتم التعامل مع شخص، سيقول منتقدو نتنياهو، أنه وضع مصيرهم ومصير "أمته" في أيدي رئيس متقلب، وليس لديه ولاء إلا لنفسه، ويتعامل مع العالم كساحة ألعاب خاصة به، والذي في اليوم الأول يقوم بإمطار النار والكبريت على الإيرانيين ويهددهم بالتدمير، وفي اليوم التالي يتسامح معهم وحتى يقترح، بدون أن يطلب منه أحد ذلك، فتح خطوط اعتماد لهم. في اليوم الأول هم بالنسبة له إرهابيون من الصعب إصلاحهم، وفي اليوم التالي هم بالنسبة له أشخاص جيدون ومعقولون، وكل ما في الأمر هو أنهم يريدون مصلحة شعبهم ودولتهم. إن مجرد استعداد ترامب للتعامل مع جهود رئيس فرنسا ماكرون من أجل التقريب بين واشنطن وطهران لتجديد الاتفاق النووي، يمكنه أن يشعل الضوء الأحمر في مكتب نتنياهو. سنوات من الجهود الكبيرة التي بذلها لدى ترامب يمكن أن تذهب هباء بسبب نزوات الرئيس وضعفه إزاء استجداء من النوع الذي يهمسه ماكرون في أذنه.
بالفعل إن الدبلوماسية التي قام بها ماكرون، التي أدّت إلى سياسة جديدة أظهرها ترامب تجاه طهران، لا تتلاءم مع إستراتيجية نتنياهو الشاملة، التي بلورها مع حلفائه من الصقور(حزب الحرب) في الإدارة الأمريكية ومع محيطه. الخطة استهدفت عزل طهران، وخنقها اقتصادياً من خلال فرض عقوبات مؤلمة، وتهديدها باستخدام القوة العسكرية الشديدة إلى أن تركع على ركبتيها.. لكن المخططين لذلك لم يضعوا في حسبانهم، أن الخطة التي عدتها محكمة( هذا إضافة إلى المزاج المتقلب للرئيس ترامب)، هي أنه وعند البدء في تطبيقها ستثير خلافاً بين الدول العظمى التي وقعت على الاتفاق النووي الأصلي. الدول الأوروبية تحولت إلى وسيط وظهرت أجواء أخرى بعد أن أوضح التوتر الأخير في منطقة الخليج للجميع، بأن ترامب غير معني بالتصعيد أو بدء إشعال حرب في منطقة غنية بالنفط ستؤدي إلى اضطراب عالمي يؤدي إلى ركود الاقتصاد الأمريكي. وكل ذلك يأتي في بداية سنة انتخابية للرئاسة. المهمة المستعجلة جداً لنتنياهو في الأيام التي بقيت على موعد الانتخابات، هي إخفاء لطمة (كابوس) ترامب له. وهو في الحقيقة لا يحسب أي حساب لنتنياهو. للمرة الأولى ربما منذ بداية ولاية ترامب، فإن نتنياهو ينكشف عارياً على حقيقته هو والسياسة التي اتبعها. وهكذا سيظل نتنياهو يدور مكتئباً وسط كوابيسه الكثيرة.
الخليج الإمارتية