تابع الإسرائيليون عن كثب الجريمة النكراء التي شهدتها غزة في الأيام الأخيرة، وأسفرت عن استشهاد عدد من أفراد الشرطة، على اعتبار أن ما تشهده هذه البقعة الجغرافية من أحداث تنعكس على الفور على دولة الاحتلال، بما أكدته تجارب السنوات الماضية.
لا يخفي الإسرائيليون رغبتهم وأُمنيتهم بأن يروا غزة تسبح في بركة من الدماء، شرط أن تكون في إشكاليات داخلية وعمليات إجرامية، تحرم الفلسطينيين الشعور بالأمن الذي يتمتعون به في القطاع، بعيدا عن إرهاب الاحتلال الحاصل في الضفة الغربية، وبمعزل عن أوضاع الفلتان الأمني الذي تخلصت غزة منه، إلى غير رجعة.
لا يتوقف الأمر عند إسرائيل أمام الرغبة والأُمنية فقط، بل يأخذ طريقه لترجمة ذلك إلى سلوك ميداني عملياتي، وهو ما أثبتته التحقيقات الأمنية في أحداث مؤسفة شهدها القطاع في سنوات ماضية، وأكد بما لا يدع مجالا للشك أن ضباط مخابرات إسرائيليين ضالعون فعلياً بتدبير بعض الأحداث والعمليات التي اكتوينا بنارها هنا في غزة.
ينطلق الإسرائيليون في تشجيعهم لأي بذور فوضى أمنية في غزة من اعتقادهم الجازم أن الحل المطلوب لغزة يتراوح بين السيئ والأسوأ، وأي إجراءات إسرائيلية قد تتخذ في المدى القصير للتخلص من صداع الرأس الذي يأتيها من غزة، لن يوفر لها الحل النهائي المتمثل بتوفير استراتيجية على المدى البعيد تتطلب الالتزام بالاستحقاقات المتفق عليها.
تتزامن التفجيرات الدامية الأخيرة في غزة مع مرور الذكرى السنوية الخامسة لانتهاء العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة في 2014، وهي حرب علمت الإسرائيليين دروسا مهمة استفادوا منها، وباتت أركانا مفصلية في السياسة الإسرائيلية تجاه القطاع.
من أهم هذه الدروس الإسرائيلية، أنه لا يوجد بديل لحماس في غزة، في ظل عدم جاهزية السلطة الفلسطينية ومصر والأمم المتحدة، أو أي قيادة محلية للدخول تحت إبط الحركة، وفق التعبير الإسرائيلي.
هذه القناعة الإسرائيلية المتأخرة، دفعتهم للخروج بتوصية تتعلق بتكثيف الضغط الاقتصادي على الفلسطينيين في القطاع، مما قد يجبرهم مضطرين تحت وقع الحاجة والفاقة وقلة ذات اليد للمطالبة بتحسين ظروف حياتهم المعيشية، ولئن كانت هذه المطالب منطقية وواقعية ومشروعة، لكن التوظيف الأمني الإسرائيلي مع الشركاء في الإقليم معني بإخراجها عن سياقها، وصولًا للتسبب بفوضى أمنية تدريجية، وهو ما فشل في مرات سابقة.
هذا الفشل الإسرائيلي وأدواته قد تدفعهم للانتقال لمرحلة أكثر إجراما ودموية في غزة، لمحاكاة ما تشهده عواصم عربية وإسلامية ودولية من تفجيرات دامية، وبأسلوب غير معهود على الأراضي الفلسطينية يتمثل بالانتحاريين، لكن المواقف الوطنية والشعبية أثبتت أن هذا مخطط إلى زوال، في ظل وعي فلسطيني صقلته التجارب، وجعلته أكثر دراية بما يدور من حوله!