ابنك لا يتكلم، ابنك لازم يعتمد على حاله، ابنك من المفترض أن يذهب للحمام وحده، تلك تعليقات وتدخلات وانتقادات لا تنتهي من طرف الجدات والقريبات، كلها تشكل ضغوطا هائلة على الأم، وهو ما قد ينعكس سلبًا على تربيتها لابنها وتحميله أكثر من طاقته من أجل إرضائهم.
بعد مدة من تلك التدخلات تبدأ الأم بملاحظة سلوكيات طارئة على ابنها، العصبية، العناد، الصراخ، البكاء، الانطواء، التزام الصمت، ومن ثم تدخل في دوامة البحث عن حلول لمعالجة تلك السلوكيات التي ممكن أن تحل بصم آذانها وتجاهل ما تسمع وتفعل ما تراه مناسبًا.
"سامية" اضطرتها الظروف إلى الانتقال إلى بيت أهل زوجها مع طفلها ذي العام وثمانية أشهر والعيش معهم نظرًا لسفر زوجها، وهنا بدأت المقارنات "ابن عمه أشطر منه، يتحدث كل الكلمات، وابنك بس مه وبه".
تقول سامية (30 عامًا) لـ"فلسطين": "أصبحت جدته تضغط عليه وترغمه أن يعيد الجمل التي تحدثه بها، وتتهمه بأنه لا يركز ولا يفهم الأوامر التي تعطي له، تعاقبه حينما يخطئ، وهذا سبب لي ضغطا نفسيا كبيرا أثر على ابني".
وتتابع: " فجأة أصبح ابني يرمي نفسه أرضا ويصرخ ويبكي بكاء متواصلا، الكلمات المحدودة التي كان ينطق بها لم يعد يتلفظ بها إطلاقًا، أصبح صامتًا حزينًا عصبيًا انطوائيًا".
أما نهى عودت نفسها على سماع الانتقادات والتدخلات في تربيتها لأطفالها وتجاهلها، فتكفي بـ"آه حاضر.. إن شاء الله"، ومن ثم تتبع الأساليب التي تراها مناسبة وصحيحة بالنسبة لأطفالها.
تقول نهى (27 عامًا): "ابنتي الكبيرة سمراء البشرة وملامحها جميلة، كانت دائما أمي تناديها بجلاكسي وتطلق ضحكة ساخرة عليها والحاضرين يبدؤون بإطلاق النكات التهكمية على ابنتي، فكانت ابنتي تصرخ في وجههم وتخرج باكية".
وتضيف: "كانت تتهمني أمي بأنني فشلت في تربية ابنتي لأنها لا تتحمل المزح ولا تحترمها، ولكني كنت بصف ابنتي وأظهر غضبي مما تفعله، والآن ابنتي تبلغ 22 عاما ولا تنسى موقف جدها الذي مضى عليه 14 عاما".
وبدوره أرجع الاختصاصي النفسي والاجتماعي اياد الشوربجي أسباب تدخل الأهل الجدة والجدة أو الأقارب في تربية الأبناء لضعف قدرة الزوجين على تربية أبنائهم تربية صحيحة، قناعاتهم أن لديهم أساليب صحيحة في التربية وخبرة كافية ليربوا أحفادهم، عامل المسكن المشترك يزيد من التدخلات، حرصهم المبالغ فيه على أحفادهم في ظل تغول التكنولوجيا.
وبين الشوربجي لـ"فلسطين" أن الزوجين غالبا لا يرغبان في تدخل أحد بتربية ابنائهما، لانهما مقتنعان بأنهما الأقدر على تربيتهم، واختلاف تربية الجيل القديم عن الجيل الجديد.
وأوضحت أن التدخل يؤجج المشاكل بين الزوجين، وعدم التوافق نتيجة التضارب في التربية واختلاف ما هو مسموح وما هو مرفوض.
وحذر الشوربجي من آثار ذلك على الطفل فهو الضحية الأكبر في هذا الأمر، ويدخل في صراع حول ما هي القيم الصحيحة والخاطئة، ويصبح لديه تناقض في المفاهيم، لأنه يكافأ على سلوك ويعاقب عليه أيضًا، يصبح ذا شخصية ضعيفة وقلقة تسبب له العديد من المشكلات النفسية مثل الانسحاب والعزلة.
ونصح الجدين ألا يتدخلا في تربية الأبناء، وأن يتركا هذا الأمر للوالدين فهم الأقدر على التربية فيما يتناسب مع الواقع الحالي، وإن كان لديهما وجهات نظر أن يقدماها بشكل لين.
ودعا الشوربجي الوالدين لأن يتحليا بالصبر والحكمة في التعامل مع تدخلات الآخرين، مع ضرورة أن يوضحا للمتدخلين أن هذه النصائح ليست إلزامية، وتفهم حرص كبار السن على مصلحة الأبناء، ومناقشتهم بوجهات النظر الخاطئة بالحجج والبراهين.