لا يخفي الإسرائيليون في تقييمهم لعودة العمليات الفلسطينية الأخيرة أنها تعود في بعض أسبابها إلى حالة التحريض الديني التي تخرج هجمات طعن السكاكين ودهس السيارات إلى حيز الواقع، وقد كان متوقعا أن تحصل حالة من المحاكاة بعد عملية اختطاف وقتل الجندي الأسبوع الماضي في غوش عتصيون، وجاء عيد الأضحى وخطبه الدينية لتحث مزيدا من الفلسطينيين على تنفيذ هجمات أخرى.
تعتقد الأوساط الأمنية الإسرائيلية أن الخطب الدينية في المساجد الفلسطينية أثارت المشاعر، ودفعت فتيانا لطعن شرطي إسرائيلي، وآخر لتنفيذ عملية دعس، مما أعاد للأذهان العمليات الفردية التي اندلعت في أكتوبر 2015.
وتكشف التحقيقات التي تجريها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية مع فلسطينيين حاولوا تنفيذ عمليات ولم ينجحوا، أو أصيبوا خلال تنفيذها، أنهم يسعون من خلال استهداف الجنود والمستوطنين أن يحظوا بمكانة شهيد في المجتمع الفلسطيني، وهي حالات شهدتها إسرائيل في السابق، ومن المتوقع أن تشهد حالات مشابهة في فترات قادمة.
مع العلم أن التحليل الإسرائيلي للعمليات الفلسطينية الأخيرة يتجاوز البعد الشخصي لهذا المنفذ أو ذاك، فالمعطيات المتوفرة لدى الأجهزة الأمنية والجيش تؤكد أن الضفة الغربية أبعد ما تكون عن الهدوء، لأن التوتر المستمر بالضفة الغربية سببه حالة الانسداد أمام الفلسطينيين، والإحباط السائد من أداء السلطة الفلسطينية، وانتقاد السياسة العربية الرسمية المنخرطة في صفقة القرن.
كما أن الوضع الاقتصادي آخذ في السوء يوما بعد يوم في الضفة الغربية، بسبب التقليص المتصاعد للمساعدات الأمريكية المقدمة للسلطة الفلسطينية، وقرارها بعدم تلقي أموال المقاصة المقتطعة من إسرائيل.
تبدي المحافل الأمنية الإسرائيلية ثقتها أن العنصر الأساسي الذي نجح بإخراج منفذي العمليات إلى حيز الواقع، سواء كانوا أفرادا أو خلايا منظمة، هو التحريض الديني الذي يشهده المجتمع الفلسطيني: عبر وسائل الإعلام، شبكات التواصل، محاضرات المساجد التي يلقيها رجال دين كبار ومقدرون.
تخضع المحاضرات الدينية الفلسطينية لمراقبة أمنية إسرائيلية، لأنها تذكر أن الشهداء من يحررون المسجد الأقصى، ولذلك بتنا نشهد في الآونة الأخيرة تكرارا للهجمات في الحرم القدسي، لأنها منطقة حساسة وخطرة، وأي عبث فيها سيؤدي لتصعيد عنيف، مرة بعد أخرى، رغم التنسيق الأمني الذي لم يتوقف لحظة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.
مع العلم أن الأسبوع الماضي شهد أحداثا فلسطينية ذات صبغة دينية، أهمها عيد الأضحى، وسمع فيه الفلسطينيون محاضرات وخطبا ومواعظ دينية، فقد أخذ الفلسطينيون إجازة العيد، وجلسوا أمام التلفاز، وشاهدوا المواجهات بين الشبان والجنود الإسرائيليين في ساحات الحرم القدسي، وتحولت أول صلاة في عيد الأضحى إلى حدث عنيف ساخن، على وقع شعار "الأقصى في خطر"!