تواجه إسرائيل حملات إعلامية ودعائية مكثفة من الداخل والخارج بسبب سياستها الاحتلالية للفلسطينيين، ونتائجها السلبية التي تكون صورة سيئة عنها في أوساط الرأي العام العالمي، مما يشير إلى عدم نجاحها بتسويق نفسها، وشرح عملياتها، وإحباط المبادرات المعادية لها، رغم إمكانياتها الكبيرة وقدراتها الفائقة، وتزداد مشكلة إسرائيل الإعلامية والدعائية في عصر ثورة المعلومات وشبكات التواصل.
رغم ما يظهر من تفوق إسرائيلي على الفلسطينيين في السلوك الدعائي والاختراقات الإعلامية، لكنه لا يمنع من القول إن قائمتها طويلة من الإخفاقات الدعائية والإعلامية خلال سنواتها السبعين، وعلى رأسها العدوانات على لبنان وغزة، التي ظهرت كسلوكيات همجية دموية، ليس فقط في الأداء القتالي، بل في التسويق الإعلامي، وشكل ذلك صدمة للرأي العام الإسرائيلي.
يبحث الإسرائيليون جملة من الأسباب لهذه الإخفاقات الإعلامية لعل من بينها عدم وجود حالة من التنسيق الكافي بين الجهات ذات العلاقة: رئيس الحكومة والحكومة والكابينت، مكتب الإعلام الحكومي، الجيش والموساد والشاباك ووزارات الحرب الخارجية والقضاء والمالية وغيرها، فضلًا عن عدم اضطلاع المسئولين الإعلاميين والمكلفين بحملات الدعاية الإسرائيلية في النقاشات والاستشارات والمشاورات الأمنية والسياسية.
سبب آخر لإخفاقات إسرائيل الدعائية أنها تبعث برسائل إعلامية مركبة، فهي تبث تارة ما يفيد بأنها قوية، ومن جهة ثانية تعلن للعالم أنها تتعرض للهجمات، وأنها "فيلا وسط الغابة"، وتحتاج المساعدة، وهذه عملية معقدة للرسائل الإعلامية الإسرائيلية، مما ينعكس بالضرورة على مدى وصول رسالتهم الإعلامية.
تواجه إسرائيل هذه التعقيدات الإعلامية إبان العمليات العدوانية والحروب، فهي تخاطب الإسرائيليين في الداخل باللغة العبرية أن الجيش يهاجم بقوة، ويضرب بصرامة، لكن الرسائل بالإنجليزية للخارج أن إسرائيل تعمل بصورة جراحية ومتناسبة، رغم أن شبكات التوصل وثورة المعرفة تتطلب منها مزيدا من المهنية، وخاصة القدرة على التغير السريع.
شكلت تلك العدوانات أهم أخطر التحديات الإعلامية لإسرائيل بين 2006-2014، وتمثلت أهم استخلاصاتها بتكثيف الرسائل الإعلامية المختلفة، مما جعل إسرائيل تواجه جبهة قتالية جديدة، تمثلت بزيادة الانتقادات الدولية، وحملات نزع الشرعية عنها، وشكل لها أزمات إعلامية.
ولعل من الاستخلاصات الإعلامية والدروس الدعائية للحروب الإسرائيلية السابقة عملية التحضير لأي عدوانات قادمة، وتمثل ذلك بتنظيم جولات لرئيس الحكومة والوزراء والسفراء مع العديد من نظرائهم من الوزراء والسفراء والضيوف الأجانب نحو الجبهة الجنوبية مع قطاع غزة، وعرضنا أمامهم نماذج من الوسائل القتالية التي تستخدمها المنظمات الفلسطينية، كي يفهموا أنه ليس لدى إسرائيل خيارات إلا مواجهتها.
لعل هذه الجهود الإسرائيلية تشكل تغذية راجعة للفلسطينيين في محاولة محاكاتها، والأخذ بها، لاسيما وأنهم الطرف المعتدى عليه، وروايته الأقرب للتصديق، في ظل مشاهد الجرائم الإسرائيلية، فالصورة اليوم تساوي عشرة آلاف كلمة!