منحنى المشاركة في مسيرات العودة وكسر الحصار تراجع بالمقارنة مع بدء فعالياتها في مارس 2018م، ولعلي أتذكر يوم الانطلاق لهذه المسيرات في ذكرى يوم الأرض شرق غزة، عوائل بأكملها تفترش الأرض، وخيام تحاكي حلم العودة، وشباب ثائر لا تقرأ على وجهه سوى العنفوان الثوري والرغبة في الحرية والعودة، وعلى مستوى الفصائل لم يتغيب أحد حتى حركة فتح كانت مشاركة، شاهدت عضو مركزيتها أحمد حلس والناطق باسمها عاطف أبو سيف وآخرين.
تنافس بين الفصائل على الحشد، باصات تملأ الشوارع، والأجمل من ذلك كله عوائل بأكملها تجلس في خيام ترمز لبلدانها الأصلية، فترى خيمة المجدل وأسدود وحمامة ويافا وصفد إلخ...
هذا الحشد بقي مستمراً أيام الجمعة التي تلت يوم الأرض، وكانت المفاجأة الكبرى يوم 14/5/2019م ذكرى النكبة الفلسطينية، والذي وافق مراسم نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة.
ما سبق يعكس أن شعبنا يؤمن إيمانا عميقا بفكرة مسيرات العودة وكسر الحصار، وأن المشاركة الواسعة هي دليل على ذلك، وأن عوامل أخرى تقف خلف تراجع المشاركة ممكن معالجتها لو أحسنت الهيئة العليا لمسيرات العودة وكسر الحصار الإدارة والتخطيط والمراجعة والتقييم، ولعلني هنا أسرد أهم العوامل التي ساهمت في تراجع الحشد في المسيرة:
1. بدأ يترسخ لدى جزء من أبناء شعبنا أن مسيرات العودة وكسر الحصار هي إنقاذ لحركة حماس وأزمتها في إدارة قطاع غزة، وفي ظل حالة الانقسام والاستقطاب الحاد، لم يكتف هذا الطرف بعدم المشاركة، بل قام بمهاجمة المسيرات على منصات التواصل الاجتماعي مستفيداً من حجم الخسائر البشرية.
2. إدارة حماس لملف التفاهمات من حيث الشكل أظهرته كأنه ملف حمساوي بامتياز، رغم أن حماس كانت تطلع الهيئة العليا للمسيرة على نتائج ذلك، بينما الأصل إشراكها في الحوارات، وهو ما ساهم في تعزيز حضور التيار المعادي للمسيرات.
3. إدارة حماس لملف التفاهمات من حيث الجوهر أظهرت الحركة وكأنها تبحث عن سولار ودولار، بينما لم تنجح الماكينة الإعلامية للمسيرات في إقناع الوعي الجمعي الفلسطيني بأن حصارنا يهدف لتصفية قضيتنا، وتهجيرنا من أرضنا، وأن الدولار والسولار هما ركائز أساسية لكسر الحصار الظالم على قطاع غزة.
4. إدارة الميدان وما ترتب على ذلك من تكلفة بشرية وعدم قدرة القائمين على تقديم الرعاية الكافية للجرحى في ظل شح المال والإمكانات، عززت من رواية خصوم المسيرات.
5. عدم قدرة الهيئة العليا للمسيرة والفصائل مجتمعة على ترسيخ وعي جمعي عند الشباب الثائر حول مفهوم السلمية وكيف من الممكن تحقيق الأهداف بأقل الخسائر البشرية، فطاقة شبابنا كبيرة وارتبط وعيهم بأن المشاركة تعني قص السلك وإشعال الإطارات، وعندما فرضت التفاهمات واقعا جديدا انفض هؤلاء عن المشاركة.
6. ضعف مشاركة العناصر المنتمية لفصائل اليسار، واكتفت تلك الفصائل بمشاركة رمزية لرموزها فقط.
7. غياب التيار الاصلاحي لحركة فتح عن المشاركة.
8. لم تحسم حركة فتح الجدل حول المسيرة فهي ممثلة بالهيئة العليا بالقيادي عماد الأغا بينما لم تشارك رسمياً على الأرض. ولم تمنع عناصرها من مهاجمة المسيرة في منصات التواصل.
9. أصبحت المسيرة في الفترة الأخيرة عملا تقليديا، لا جديد فيه، وهو ما يساهم في تآكل المشاركة الشعبية في هذا الحشد.
10. الأزمة المالية التي تعانيها فصائلنا تدفع بعض الفصائل إلى عدم إرسال وسائل النقل الكافية لإحضار الجماهير إلى مخيمات العودة.
11. عدم التجديد وضخ دماء جديدة بين أعضاء الهيئة العليا لمسيرات العودة وكسر الحصار، سبب مهم في غياب الأفكار التجديدية وتنفيذها.
12. ضعف اعلام مسيرات العودة منح الخصوم قوة لإقناع الرأي العام بعدم المشاركة، فلم يتناول هذا الاعلام دور وزارة الصحة والفصائل في الوقوف بجانب الجرحى وذوي الشهداء، ولم يسلط الضوء على دور بعض الجمعيات في تقديم العلاج مجاناً، فأصبح راسخاً لدى بعض مكونات شعبنا بأن الجريح بعد اصابته لم يلتفت إليه أحد.
الخلاصة: ما سبق لا يلغي جهود القائمين على المسيرة، ولكنه من باب النصح في علاج ما يمكن علاجه، فالمسيرة جاءت ضمن خيارات أخرى في ظل تعثر المصالحة، وتعقيدات المشهد الإقليمي والدولي، فكانت الخيارات، إما التكيف مع الحصار وخسائره كبيره جداً، لأنه على المدى البعيد يساهم في تآكل منسوب الوطنية الفلسطينية لدى جيل الشباب، ويزيد من حالات الإدمان بالإضافة إلى الخسائر الناجمة عن إغلاق المعابر وغيرها. بينما الخيار الثاني هو الذهاب باتجاه الحرب، والكل يعلم نتائج هذا الخيار وتداعياته، لذا كان الذهاب لخيار مسيرات العودة هو الأفضل والأقل كلفة، على قاعدة ترسيخ وتثبيت المعادلة التالية وهي: تقليل الخسائر البشرية مقابل تعزيز المكاسب السياسية والإعلامية.