تتحدث سورة المطففين في القرآن الكريم عن صفات من يغشون ويخسرون في المكيال، ووضعت هذه السورة قانونًا ناظمًا لعملية الشراء والبيع في التجارة.
والتطفيف هو الاستيفاء الكامل، وأحيانًا الزيادة القسرية، أو إبخاسها وإنقاصها -ولو قليلاً- وكل إنقاص عمَّا هو متفق عليه تطفيف.
ومردُّ التشديد على التطفيف في الإسلام، أنه منافٍ ومعاكسٌ للعدل الذي حمله الأنبياءُ والمرسلون من لدُن آدم إلى محمد خاتم المرسلين، فنبي الله شعيب كرَّس دعوته "للوفاء بالكيل والميزان".
لكن من الضروري أن نعيَ أن التطفيف كما يسري على الأشياء والماديات، يسري أيضًا على الأفكار والاجتماعيات؛ فلكل شيء في حياتنا وفاء وتطفيف.
فذلك الزوج الذي يعطي أحسن معاملته لمن حوله، ويظلم ويضيق على أهل بيته مطفف، وتلك الزوجة التي تكرم أهلها وتقصر في أهل زوجها مطففة، وذلك المعلم الذي يقصر في دروسه المدرسية عمدًا ليدفع طلابه للدروس الخاصة مطفف، وذلك الحرفي أو المهني الذي ينتج صنعته بمواصفات أقل من المطلوب والمفروض مطفف، وأرباب العمل الذي يطلبون أقصى درجات الإنجاز من مرؤوسيهم، ثم لا يعطونهم حقوقهم كاملةً مطففون.
ومن التطفيف الاجتماعي كذلك إخفاء معايب عريس أو عروس وقت الخطوبة، ليصدم طرف بالآخر بعد الزواج، وهذا يقع بالأساس على أهل كلٍ منهما، وعلى المستشار (المؤتمن) الذي درجت عاداتنا أن يُسأل عن العريس وأهله، أو العروس وأهلها بحكم معرفته بهم، فهذا مطفف إن أخفى شيئًا عن قصد.
ومن التطفيف الاجتماعي ما يعرف في عصرنا "بالتسحيج"، لما فيه من كذب وتدليس، ومدح في المسؤول بما ليس فيه، من باب التزلف له، وما ينعكس عن ذلك من تقريب لمن يستخدمون هذا الأسلوب، وإبعاد لأصحاب العلم والكفاءة.
لذا فكل تجاوز وتعدٍّ على حقوق الآخرين وحدود الله سبحانه، يُعدُّ من سمات التطفيف؛ وكل من يريد استيفاء حقه وأكثر، في حين لا يعطي من واجباته إلا القليل، فهو من المطففين الاجتماعيين، الله أعلم!