كل مواطن فلسطيني يحلم بتحقيق الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام، ولكن الصدمات التي تلقاهاشعبنا على مدار سنوات الانقسام جعلته يائسا من إمكانية إنجاز المصالحة، وجميع الاتفاقيات التي تم توقيعها بين الطرفين وضعت على الرف وأصبحت مجرد أرقام وتواريخ يتم إضافتها إلى كل اتفاقية أو إعلان جديد بين فتح وحماس حتى تُهنا بين العناوين فضلا عن التفاصيل وما بين السطور.
من الأشياء التي تدعو الى تشاؤم المحللين في إمكانية تطبيق الاتفاقيات القديمة هو مدى صلاحية تلك الاتفاقات بعد مرور كل هذه السنوات، فالاتفاقية الأساسية على سبيل المثال وهي اتفاقية القاهرة 2011 تم توقيعها في وقت كانت فيه فتح وفصائل منظمة التحرير في حالة مريحة، حيث كان الدعم العربي والغربي سياسيا وماليا في وضع أكثر من جيد، وكانت حماس تعيش فترة حرجة، ولكن الان تقريبا انعكست الظروف حيث ان السلطة الفلسطينية_ بما تمثله من فصائل _ محاصرة ومحرومة من الدعم العربي والدولي، وحماس حققت نجاحا كبيرا في الصمود في وجه الحصار و حققت نجاحات اكبر في مقاومتها للاحتلال، غزة الآن محاصرة ولكن الاحتلال الإسرائيلي في وضع حرج وخاصة بعد حرب 2014 وانطلاق مسيرات العودة الكبرى أثقلت كاهل الاحتلال واستنزفته وأحرجته داخليا من الناحية الأمنية وخارجيا من الناحية السياسية، وهذه نقاط تضاف إلى قوة حماس وفصائل المقاومة.
أمام هذه المعطيات الجديدة لا بد وأن حركة حماس ستكون أقل مرونة عند تنفيذ الاتفاقات السابقة، لن ترفضها ولكنها ستصر على تطبيقها كما هي على الأقل، في المقابل هناك أفكار وخطوات جديدة لدى حركة فتح، فمثلا تم حل المجلس التشريعي وليسالاكتفاء بتعطيله في ظل الانقسام فقط، وكذلك إحلال المجلس الوطني محله والتخطيط لاستحداث برلمان دولة فلسطين، وكثيرة هي الخطوات التي قامت بها منظمة التحرير حتى تكون أعلى سلطة في دولة فلسطين، فهل ستسمح حركة فتح وفصائل المنظمة بإجراء انتخابات للمجلس الوطني لتأتي حماس والحركات الفلسطينية الأخرى للسيطرة على المنظمة ومؤسساتها.
كنت أتوقع أن تتم المصالحة قبل سنوات من الآن، لأنني كنت أظن أن دولة الاحتلال وأطرافا دولية كثيرة لن تسمح لحركة حماس بالاستفراد بقطاع غزة، المصالحة لم تتم كما كنت اتوقع ولكن حماس وفصائل المقاومة استفادت كثيرا من هذه الاجواء لتطوير امكاناتها الى الحد الذي نراه حاليا، نحن لا نغفل معاناة شعبنا على مدار هذه السنوات ولكن "إسرائيل" هي التي حاصرت وقتلت، أما المقاومة فقد استغلت الفرصة لتطوير ذاتها بسرعة فائقة.
غزة الان أمام مسارين، إما مصالحة وهدنة مع الاحتلال تعيش فيها غزة بأمن وامان، وتنصرف جهود سكانها الى البناء والاعمار والنهضة ، وإما استمرار الوضع على ما هو عليه وتكون النتيجة وبالا على دولة الاحتلال اسرائيل وكل الاطراف التي تحاصر قطاع غزة .