في ذروة القطيعة السائدة بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية، مع استمرار التنسيق الأمني، وهو أمر لا يبدو مستقيما في العلاقات السياسية، باتت الأوساط الإسرائيلية تتوقع أن الساحة الفلسطينية تتحضر لخوض صراعها على ما تسميه "حرب الوراثة" في حال غاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
هذا التقدير يدفع إسرائيل للخشية من اندلاع مواجهات داخلية فلسطينية في اليوم الذي يختفي فيه عباس عن المشهد الفلسطيني، رغم أن مثل هذه المخاوف تكررت في السنوات الأخيرة دون أن تتحقق.
حتى كتابة هذه السطور، فلا زال عباس ماثلا في الساحة السياسية الفلسطينية، ويعتبر أحد أعمدتها الرئيسية، رغم الخلاف الناشب معه وعليه بسبب سياساته الداخلية والخارجية، ولما ينتهي عهده بعد من قيادة السلطة الفلسطينية، مع أن الاجهزة الأمنية الإسرائيلية بات لديها تراكم معلومات عن وجود حالة من التململ في الشارع الفلسطيني في كل ما يتعلق بما يسمونه معركة وراثة عباس في رئاسته للسلطة.
لا يكاد يخلو يوم في وسائل الإعلام الإسرائيلية دون كتابة تقرير أو مقال أو تحليل أو تسريب أمني، يقدم نظرة استشرافية عما يحصل في الواقع السائد داخل السلطة الفلسطينية، وتحليل المعطيات المتوفرة عن أجوائها في الآونة الأخيرة، ومع ذلك فلا تتوفر لدى تل أبيب مسارات واضحة باتجاه تدحرج الأمور بهذا الملف بالذات، وربما لا أحد يعلم في إسرائيل كيف سيكون تأثير هذه التطورات الجارية على اليوم التالي لغياب عباس.
صحيح أن هناك صراعات بين التيارات التنظيمية داخل فتح، تحتدم قبل غياب عباس، ومن طبيعة الأشياء أن تستعد إسرائيل لسيناريوهات هذه الصراعات، لكن وفق المعطيات المتوفرة لديها، يوجد عدد محدود من القادة المرشحين لرئاسة السلطة خلفا لأبو مازن، معظمهم من داخل قيادة فتح، وبعض قليل من خارجها.
اللافت في ذروة استعدادات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، أنها تتوقع أن يخوض القادة الفتحاويون بالذات، معارك ميدانية في الضفة الغربية، قد يكون لها تأثيرات واسعة على كل مناطقها، في ظل ما تعتقده إسرائيل بوجود كميات كبيرة من الأسلحة المخبأة اليوم في الضفة، وسيتم استخدامها وتفعيلها فيما تسمى "لحظة الحقيقة"، مع أن وجهتها وبوصلتها ينبغي أن تتركز في وجه الاحتلال، والاحتلال فقط، وليس لتصفية الحسابات الداخلية!
رغم هذه التوقعات السوداوية، لكن المنظومة الأمنية الإسرائيلية قد لا تفاجأ من سيناريو يتمثل بحصول استبدال في مواقع قيادية داخل السلطة الفلسطينية بصورة هادئة، كما حصل في سنوات سابقة، عقب وفاة ياسر عرفات، إن شعرت القيادات المتنافسة أن كفة أي منها لن ترجح على سواها، أو في حال تدخلت أطراف إقليمية ودولية لفرض مرشح بعينه يخلف عباس.. دعونا ننتظر ونرى!