فلسطين أون لاين

​تظاهراتهم تكشف حقيقة دولة الاحتلال العنصرية

يهود "الفلاشا".. حطبٌ للحروب وقيمتهم في الدرك الأسفل بالمجتمع الإسرائيلي

...
صورة أرشيفية
غزة/ يحيى اليعقوبي:

تمييزٌ ممنهج ضد يهود "الفلاشا" (الإثيوبيين) منذ قدومهم ضمن المشروع الصهيوني الاستيطاني في فلسطين المحتلة، فلا يسكنون في مراكز دولة الاحتلال، بل يُرسلون إلى الأطراف دون مقومات الحياة، فالمستوى الاقتصادي والاجتماعي لهذه الطائفة أو الشريحة بالمجتمع الإسرائيلي هو الأدنى والأفقر، مقارنةً بالمستويات المجتمعية الأخرى.

في جيش الاحتلال، الإثيوبيون هم "حطب الحروب" و"لحن المدافع"، فلا يوجد في سلاح الطيران ذي الرتبة السامية طيارون من أصل إثيوبي، بل تجدهم على خطوط التماس معرضون مباشرة لإطلاق النار.

يُرسَلُون إلى الضفة الغربية المحتلة لمواجهة الثائرين الفلسطينيين في مقاومتهم الشعبية المتواصلة، ويخدمون في الحواجز العسكرية، ويُناط بهم أسوأ أنواع الخدمة العسكرية، فيعملون في أحقر المهن، ويُستغلون أبشع استغلال؛ ما يؤكد أن العنصرية متجذرة في المجتمع الإسرائيلي منذ احتلاله فلسطين عام 1948م.

وعلى خلفية مقتل إسرائيلي من أصول إثيوبية على يد شرطة الاحتلال قرب حيفا المحتلة، اندلعت موجة احتجاجات عارمة ليهود الفلاشا (الإثيوبيين) في أنحاء فلسطين الـ(48) المحتلة، وقد كان السبب الرئيس لشرارة اندلاعها هو المعاملة العنصرية التي يتلقاها هؤلاء، الذين يعامَلون كمواطنين درجة ثالثة.

والطائفة الإثيوبية ليست كبيرة، إذ إنها قدمت لاحتلال فلسطين عبر هجرتين: الأولى بلغ عددهم فيها 20 ألف مهاجر، والثانية 30- 40 ألفًا، واليوم عددهم 120- 150 ألفًا.

احتجاجات متكررة

ويرى المختص في الشأن الإسرائيلي نهاد أبو غوش أن موجة احتجاجات يهود "الفلاشا" التي تجددت الأسبوع الماضي هي أوسع احتجاجات لهم، لكنها ليست الأولى، فسبقتها موجات نتيجة تراكم الشحن الاجتماعي والاضطهاد والتمييز العنصري ضدهم من المجتمع الإسرائيلي كله، وليس فقط من حكومات الاحتلال المتعاقبة.

وقال أبو غوش لصحيفة "فلسطين": "إن ممثلي الطائفة الإثيوبية يعتقدون أنهم يخدمون دولة الاحتلال، ولا ينالون مقابل ذلك سوى التهميش والاضطهاد والتمييز العنصري".

ويرى أن هذه الاحتجاجات عفوية ومؤقتة، ويمكن للمؤسسة الإسرائيلية الحاكمة إدارتها وتوظيفها لمصلحتها، على قاعدة أن هذه الطائفة قدِمت لفلسطين المحتلة ضمن مشروع استيطاني استعماري وأنها جزء من المشروع الصهيوني، وكان قدرهم أن لونهم مختلف، ولا يملكون بديلًا عن المشروع الصهيوني الظالم.

ويتألف المجتمع الإسرائيلي من مجموعات غير متجانسة، فهناك يهود شرقيون، وغربيون (أشكناز)، و"سفارديم" (وهذه من أصول إسبانية وبرتغالية)، ومتدينون وعلمانيون، وكتلة روسية كبيرة تقدر بنحو مليون وربع مليون يهودي، فضلًا عن مليون ونصف مليون فلسطيني عربي (مسيحيون ومسلمون)، سكان فلسطين الأصليين، يعدهم الكيان الإسرائيلي ضمن مجتمعه، لكن مع انتهاك غالبية حقوقهم.

وقد فشلت (إسرائيل) في صهر هذه المكونات لتنجز هوية موحدة، فلا تزال كل فئة تحتفظ بسماتها وتقاليدها وتراثها قبل إنشاء دولة الاحتلال على أنقاض فلسطين المحتلة، وفق حديث أبو غوش.

ولفت إلى أن تظاهرات يهود "الفلاشا" تعكس وجود تباينات جوهرية عميقة في المجتمع الإسرائيلي، لكونهم يشغلون الدرك الأسفل من الهيكل الطبقي الإسرائيلي، ويعملون في أحقر المهن، ويُستغلون أبشع استغلال بالمعارك والحروب، فيجندون ضمن القوى البشرية المعرضة للقتال المباشر؛ لذلك يحتجون على الواقع، وهم أكبر طموحهم تحسين واقعهم.

ورأى أبو غوش أنه يمكن الاستفادة من هذه الاحتجاجات في فضح الطابع العنصري لدولة الاحتلال، وبناء سياسة صارمة ضد التمييز العنصري، مشيرًا إلى أن المجتمع الفلسطيني العربي يعيش تناقضًا أكبر، وهذا التناقض له طبيعية وجودية، فكل الآلة الإعلامية الإسرائيلية موجهة للتأليب على العرب.

وقال: "إن التمييز العنصري جوهري وعميق في المجتمع الإسرائيلي، خاصة أن المجتمع كله قائم على ذلك، وكل فئة تخوض التمييز ضد من يختلف معها على أساس اللون والمعتقد".

ظاهرة متجذرة

قال المختص في الشأن الإسرائيلي عبد اللطيف الحصري: "إن المجتمع الإسرائيلي عنصري بالدرجة الأولى، وهي ظاهرة متجذرة بهذا المجتمع منذ إقامة دولة اليهود، لكون من أقامها من اليهود الأشكناز القادمين من أوروبا، وهناك فئات أخرى عانت التمييز مثل اليهود من أصول مغاربية أو يمنية".

وأوضح الحصري لـ"فلسطين" أن هناك تمايزات عرقية في بنية المجتمع الإسرائيلي على أساس اللون، وأن يهود "الفلاشا" لا يعدهم المجتمع الإسرائيلي يهودًا، في مظهر من مظاهر العنصرية، فضلًا عن التمييز ضد هذه الطائفة على أساس المعتقد الديني، فهناك من المتدينين اليهود يرون أنه يجب تهويدهم من جديد.

ولفت إلى أن حادثة إطلاق النار على يهودي من أصل إثيوبي لم تكن الأولى، مضيفًا: "إن هناك نوعًا من خفة اليد على الزناد، حين تكون الضحية ذات بشرة سوداء على الأغلب، وهذا عنوان للتعامل الإسرائيلي مع يهود الفلاشا".

وبين أن قضية التفرقة بالمجتمع الإسرائيلي على أساس عرقي متجذرة، فكان في بداية الخمسينيات ظاهرة سرقة أطفال اليهود من أصول يمنية، وإعطائهم للعائلات الإسرائيلية القادمة من أوروبا التي ليس لديها أولاد.