عاشت الحلبة السياسية والعسكرية في إسرائيل خلال الساعات الأخيرة حالة من الغضب والنقمة على الجيش الإسرائيلي عقب إصداره بيان توضيح عن حادث مقتل أحد كوادر حماس العسكريين في قطاع غزة.
لم يتردد الإسرائيليون في القول إن الفلسطينيين في غزة "احتفلوا" بما سموه "اعتذار الجيش الإسرائيلي" عن قتل الشهيد محمود الأدهم، على حدود قطاع غزة الشمالية، مع أنه في حال أصدر الجيش بيانا توضيحيا عن مقتل أحد جنوده بحدث ما، لكان مفهوما، لكن أن يصدر بيانا حول مقتل أحد جنود حماس، فالأمر غريب!
يعتقد الإسرائيليون أن الفلسطينيين في غزة اعتبروا بيان الجيش بأنه اعتذار مصدره الذعر الإسرائيلي من رد فعل حماس، فالبيان غريب وغير مألوف للجيش الذي أوضح أن مقتل الأدهم جاء نتيجة سوء فهم تطلب التوضيح، مع العلم أن الشهيد تابع لوحدة عسكرية، مهمتها مراقبة الحدود الشرقية والشمالية لقطاع غزة، ومتابعة تطبيق التفاهمات الميدانية بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، ومنع حدوث خرق لها.
لكن إسرائيل تتهم هذه الوحدات الميدانية في الوقت ذاته بغض الطرف في بعض الأحيان عن إطلاق القذائف الصاروخية، ونيران القناصة باتجاه جنودها، والبالونات الحارقة، ورصد الحدود الأمنية مع الجيش لتسهيل تنفيذ الهجمات المسلحة من خلال وجودهم بمواقع مرتفعة حدودية عبر مراصدهم وأبراج المراقبة.
لكن بعيدا عن التفاصيل الدقيقة للحدث الميداني الذي قتل فيه الأدهم، لكن الأكثر أهمية هو كيفية استقبال الشارع الفلسطيني في غزة للبيان العسكري الإسرائيلي الذي أطلق عليه اسم بيان الاعتذار، فسارعت وسائل الإعلام الفلسطينية إلى تداول بيان الجيش الذي جاء بعد وقت قصير، أقل من ساعتين، من صدور تهديد حاد وحاسم من الجناح العسكري لحماس بالرد المباشر على مقتل أحد كوادرها.
رصد الإسرائيليون تطورات الحدث وصدور بيان تهديد المقاومة الفلسطينية، وما تلاه خلال ساعتين فقط من بيان الاعتذار الإسرائيلي، مما جعل من البديهي أن يسارع الوفد المصري بوصول غزة قبيل خروج تهديد حماس إلى حيز التنفيذ، والدخول مجددا بموجة تصعيد عسكرية قادمة.
لا يجب أن ننسى أن صدور بيان الجيش الإسرائيلي بالاعتذار للفلسطينيين عن استشهاد أحد مقاتليهم، حصل بالضرورة على مصادقة وزير الحرب ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ولذلك ترجم الإسرائيليون في غزة البيان بالصورة التالية: حين جاء تهديدنا قويا ضد إسرائيل، ذعرت واعتذرت.
إن تفسير البيان الإسرائيلي لتوضيح سوء الفهم الذي أسفر عن استشهاد الأدهم، تعبير عن قوة ردع المقاومة، وخشية من ردودها، والقراءة الموضوعية للاعتذار الإسرائيلي في منطقة كالشرق الأوسط، يعتبر إشارة إلى ضعف وتراجع، فقط ليس أكثر، مع الأخذ بعين الاعتبار الحسابات الأخرى التي لا تقل أهمية!