هي المرة الأولى في تاريخ الدولة الإسرائيلية أن تشهد دورتين انتخابيتين في عام واحد، مما يشير إلى تعقيد المشهد السياسي الإسرائيلي من جهة، وحضور الملف الفلسطيني فيه من جهة أخرى، لأن أحد أسباب إخفاق رئيس الحكومة المكلف بنيامين نتنياهو بتشكيل حكومته الخامسة كان التعامل مع غزة، وخلافه بشأنها مع حليفه القديم وخصمه الجديد أفيغدور ليبرمان.
مع أن أحد الأسباب الجوهرية لانفراط عقد الائتلاف الحكومي السابق كانت العلاقة مع غزة، حيث استقال ليبرمان من وزارة الحرب في نوفمبر عقب عدوان عسكري شنه الجيش على غزة، بعد أن كشفت حماس قوة إسرائيلية خاصة تسللت للقطاع.
هذان التطوران يعنيان أن الموضوع الفلسطيني حاضر بقوة في الحلبة الانتخابية الإسرائيلية، سواء في البرامج الحزبية التي ستقدم في الأيام والأسابيع القادمة، أو في توجهات الناخبين يوم صندوق الاقتراع في سبتمبر، مما يجعل العلاقة الفلسطينية الإسرائيلية عنصرا أساسيا في استقراء نتائج الانتخابات الثانية والعشرين.
بدا لافتاً أن تحرص الحكومة الإسرائيلية الحالية على تحقيق هدوء أمني مستقر في قطاع غزة، الجبهة الأكثر سخونة في المشهد الفلسطيني، لاسيما في الأسابيع المقبلة التي تسبق تصويت الإسرائيليين في صناديق الاقتراع، بحيث يذهبون إلى التصويت بعيدا عن سقوط القذائف الصاروخية المنطلقة من غزة، أو إطلاق صفارات الإنذار.
مع العلم أن حدوث أيّ تدهور أمني مع غزة قبيل الانتخابات كفيل بأن يفقد اليمين الإسرائيلي مزيدا من الأصوات التي يحتاجها، ويفسح المجال لمنافسي نتنياهو من أحزاب الوسط واليسار بالمزاودة عليه، والإثبات أنه أخفق في الوصف الذي أطلقه على نفسه بأنه "سيد الأمن".
هنا يمكن استعادة الهدوء الذي عاشته الجبهة الغزّية مع إسرائيل قبيل انتخابات أبريل السابقة، حين عاش الفلسطينيون والإسرائيليون هدوءاً كبيراً، ومن خلاله حقق اليمين تلك النتائج المرضية بالنسبة له، من خلال الاستجابة لمطالب الفلسطينيين بتطبيق التفاهمات الإنسانية المتفق عليها في غزة، وفي الوقت نفسه امتناع الفلسطينيين عن تعكير صفو الهدوء في مستوطنات غلاف غزة، وعدم إطلاق الصواريخ باتجاهها.
اليوم يبدو الليكود أكثر حرصا من ذي قبل على ترسيخ الهدوء في غزة، على الأقل من أجل اجتياز يوم الاقتراع، بأكثر قدر من الانضباط الأمني، مما يتطلب منه الاستمرار بدفع استحقاقات التفاهمات، وعدم التنصل منها، بالمماطلة وشراء مزيد من الوقت.
مع أن توجهات الليكود وحلفائه في اليمين مختلفة كلياً قناعات الوسط واليسار الذي ترى قطاعات عريضة منه في السياسة الحالية تجاه غزة أنها تعطي نفساً جديدا لحماس، وتمنحها المزيد من فرص البقاء، واستقرار حكمها في القطاع، في حين أن الحل الحقيقي لمسألة غزة يكمن بإعادة السلطة إلى غزة، بديلا لحماس، والدخول معها في مفاوضات سياسية، وهو ما لا يريده اليمين جملة وتفصيلا.