ما زالت نتائج العملية الأمنية الإسرائيلية السرية بمدينة خانيونس في نوفمبر 2018 تدك أركان المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية، ففضلا عن مقتل قائد الوحدة السرية، فإن كشف أفرادها تسبب بأضرار جسيمة للأمن الإسرائيلي، وما زال يترك آثاره على مختلف الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية، مع أن هذه الأضرار التي نجمت عن كشف حماس لتلك القوة لن ترى النور في السنوات القليلة القادمة، نظرا لخطورتها.
اليوم بعد ثمانية أشهر مرت منذ تلك الليلة المظلمة على إسرائيل في خانيونس، أجرت اللجان الإسرائيلية الخاصة تحقيقاتها العملية حول فشل عمل القوة، وتمثلت بعض نتائجها في وضع يدها على سلسلة طويلة من الأخطاء والعثرات التي أسفرت عن هذا الفشل المدوي.
لا نشيع سراً إن قلنا إن جميع، بل معظم العمليات التي نفذتها هذه القوة تتم بصورة سرية، بعد سلسلة طويلة من التحضيرات والإعدادات التي تقلص إلى الحد الأدنى حالة عدم اليقين، فهي تختار توقيت العملية، والقيمة العليا في عملها هو الحفاظ على أمن المنفذين، والحفاظ على سرية طريقة العمل، ويتم إخراج العملية إلى حيز التنفيذ فقط في حال تم ضمان تحقيق هذين الهدفين.
من التقاليد الأمنية المتبعة لدى جميع الأجهزة الأمنية في العالم، والإسرائيلية بشكل خاص، أن عملياتها السرية لا تخرج إلى حيز التنفيذ إن ساور أفرادها، أو أحد منهم، بعض الشكوك، هذا يحدث قبل الخروج لتنفيذها، وخلاله، لذلك دأبت هذه الأجهزة الإسرائيلية على الحفاظ على حالة من توفر اليقين الكامل لتنفيذ مهامها، وكل فرد فيها، كبيرا أم صغيرا، له الحق بأن يرفع يده للإشارة لخطأ هنا ومخاطرة هناك في مجريات العملية.
لكن من الواضح أن هذه المثل والمعايير تراجعت مع مرور السنوات، واستبدلت تلك القواعد المهنية لتحل محلها "التنفيذ أولا، ثم الاستفسار والاعتراض، أو كما يشاع لدى العرب والفلسطينيين: نفذ ثم ناقش"، وكشفت بعض العمليات السرية الإسرائيلية جانبا من هذه الأخطاء والعثرات، وهو ما حصل في عملية خانيونس، فقد كشف النقاب عن وجود تحذيرات من أفراد الخلية، وبعضهم خرج لتنفيذها ولديه هواجس ثقيلة عبر عنها، ولكن تم إسكاته!
جلست لجان التحقيق الإسرائيلية مع جميع أفراد الوحدة التي كشفتها حماس بخانيونس، وهم ذوو خبرة طويلة، لكنهم اعترفوا بأخطاء وإشكاليات وقعوا فيها، وسبق لهم أن حذروا قادتهم أنها قد تؤدي لكشفهم.
لا أحد يعلم ماهية هذه الأخطاء، لكن من يقرأ هذه السطور من ذوي الاختصاص في غزة قد يعلمها أكثر من كاتبها، ومع ذلك فإن أحدا ما في المؤسسة الاستخبارية الإسرائيلية لم يشعل ضوءاً أحمر، ويعلن أن هناك خطأ ما، في مكان ما، يوشك أن ينكشف في لحظة ما، وقد كان!