يجتهد الإسرائيليون والأمريكان بإصدار الخطة الاقتصادية تلو الخطة، بزعم إنعاش ظروف الفلسطينيين المعيشية ، لتجاوز الموضوع السياسي، فبالتزامن مع مؤتمر البحرين الأخير، وإعلان الإدارة الأمريكية عن خطتها الاقتصادية الخاصة بالأوضاع الاقتصادية للفلسطينيين، كشفت إسرائيل عن خطة شبيهة تتعلق بالضفة الغربية بصورة حصرية.
خطة اليوم صاحبها عضو الكنيست عن الليكود والرئيس السابق لبلديّة القدس نير بركات، لتحسين وضع الضفّة، وتركّز على المناطق "ج" الخاضعة لإسرائيل، وتضمّ 60% من مساحتها، ويقطن فيها 400 ألف مستوطن.
تعتمد الخطة إنشاء 12 منطقة صناعيّة مشتركة، يعمل فيها 200 ألف فلسطينيّ، مع وجود 30 ألفاً يعملون حاليّاً في المنطقة "ج"، نصفهم في المناطق الصناعيّة، والباقي في المستوطنات.
تقترح الخطّة بناء 4 مناطق صناعيّة جديدة شمال الضفّة ومعاليه أدوميم، وترقوميا بتلال الخليل، بما يتيح الوصول السهل نسبيّاً إليها من الإسرائيليّين والفلسطينيّين، وإقامة حديقة صناعيّة ضخمة قرب مستوطنة محولا شمال غور الأردن لتوظيف 100 ألف، وبجانب مستوطنات: حيننيت، حرميش، وبلدة برطعة، وإنشاء 3 مناطق صناعيّة توظّف 168 ألفاً، لأنّ تنفيذها سيضاعف أجور العمّال، وتطوير السياحة في المستوطنات، بإنشاء 12 موقعاً سياحيّاً.
لم تصدر مواقف فلسطينية من الخطة لكنّ هناك إجماعاً قياديّاً وفصائليّاً فلسطينيّاً بمقاطعة كلّ مشروع إسرائيليّ وأميركيّ يهدف لتغليب الجانب الاقتصاديّ على السياسيّ، بما ينسحب على كلّ الخطط التي تحاول بيع الفلسطينيّين أوهاماً بتحسين ظروف حياتهم، لكن رفض السلطة للخطة لا يلغي فرضية التواصل الإسرائيلي مع الفلسطينيّين مباشرة، مما يذكّرنا برفض المشاريع الاستيطانيّة، لكنّ السلطة تغضّ الطرف عن عمل عشرات آلاف العمّال في المستوطنات.
تأتي خطّة بركات كجزء من حمى مقترحات اقتصاديّة إسرائيليّة وأميركيّة بعد فشل الحلول السياسيّة، وتتزامن مع الانهيار الاقتصاديّ الفلسطينيّ، وهي مستلهمة من كون المشاريع الاقتصاديّة والتشغيليّة والمدن الصناعيّة بالضفّة ناجحة وفاعلة، لكنّ مشكلتها تكمن في التحكّم الإسرائيليّ بها، بسبب السيطرة الأمنيّة، ولذلك فإن المناطق الصناعيّة التي تدعو إليها الخطّة تسعى لإقامة اندماج وتشغيل مشترك فلسطينيّ- إسرائيليّ، وتعطي نتائج سياسيّة وأمنيّة فعّالة لصالح إسرائيل.
تأتي الخطّة لتعميم المناطق الصناعيّة القائمة في الضفّة بأريحا وجنين وسلفيت والخليل ونابلس والأغوار، ولذلك فإن بدء العمل بتطبيقها سيعني اعترافاً فلسطينيّاً بالسيادة الإسرائيليّة على المناطق "ج" التي ستقام عليها المناطق الصناعيّة.
تشير الخطّة الاقتصاديّة الإسرائيليّة إلى أنّنا أمام خطوة جديدة في مسار السلام الاقتصاديّ الذي يتجاوز الملف السياسيّ، الذي يتبنّاه اليمين الإسرائيليّ الحاكم، ولعلّ ما قد يسرّع في تطبيقها، رغم الصعوبات السياسيّة والأمنيّة، أنّها تتناغم مع توجّهات الإدارة الأميركيّة وبعض الدول العربيّة، التي تريد القفز عن المسائل السياسيّة، وتحصر حلّ الصراع الفلسطينيّ - الإسرائيليّ عبر بوّابته الاقتصاديّة.