تبالغ الأوساط الإسرائيلية في حديثها المتزايد عن إنجازاتها المتوهمة في عملية التطبيع الجارية مع الدول العربية عموما، والخليجية خصوصا، من خلال القفز عن القضية الفلسطينية، وهو ما ينم عن سلوك خاطئ، لأن التطبيع العربي الإسرائيلي لا بد أن يمر عبر حل هذه القضية.
ما زالت إسرائيل تعيش حفلة قمة البحرين، وما أخذه صحفيوها من صور تذكارية، وحصل عليه إعلامها من لقاءات حصرية مع المسئولين الخليجيين، واعتبار ذلك وسواه من مشاهد التطبيع إنجازا سياسيا عابرا للحدود.
لا تفوت إسرائيل وساستها، وعلى رأسهم نتنياهو، أي فرصة للإشارة إلى المصالح المشتركة بينها وبين عدد من الدول العربية والخليجية لمواجهة إيران والجماعات المسلحة في المنطقة، وتجلى ذلك في عدد من الفعاليات الأخيرة مثل زيارة سلطنة عمان، والمشاركة الرياضية الإسرائيلية في قطر والإمارات، ودعوة الصحفيين الإسرائيليين للبحرين، كل هذه الأحداث تجعل نتنياهو يزعم أنه هو، وهو فقط، القادر على تطوير العلاقات العربية الإسرائيلية.
لكن العودة عقودا إلى الوراء تشير إلى أن حزب العمل الذي يقف في صف المعارضة اليوم، هو من قاد جهود التطبيع مع الدول العربية، لاسيما من خلال زعيميه السابقين إسحاق رابين وشمعون بيريس، اللذين فتحا بوابة التطبيع منذ أوائل التسعينات.
لقد أدى اتفاق أوسلو، سيئ الذكر، الذي وقع عليه الاثنان، رابين وبيريس، بعكس رغبة نتنياهو ورفاقه، إلى افتتاح سفارات وقنصليات إسرائيلية رسمية في عمان وقطر والمغرب، وكلها تم إغلاقها بعد المواجهات التي خاضها الفلسطينيون والإسرائيليون، واندلاع انتفاضة الأقصى، ثم الانسداد السياسي بينهما عبر توقف المفاوضات.
لا زلنا نذكر أن معظم مندوبي غالبية الدول العربية جلسوا بجانب نظرائهم الإسرائيليين خلال مؤتمر مدريد للسلام في 1991 وقمة أنابوليس في 2007، فيما يحاول نتنياهو أن يصنع لنفسه مشهدا خاصا به، بموجبه فإن التطبيع مع العرب يقوم على المصلحة المشتركة لمواجهة إيران، وغير مرتبط بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
الفرضية الصحيحة تقول إن رؤية إسرائيل للتطبيع مع الدول العربية دون اتفاق مع الفلسطينيين أمر خيالي غير متوقع، وأي خطوات تطبيعية بين الجانبين تتطلب من إسرائيل القيام بكثير من الجهود، ما يعني أن أي تطبيع عربي إسرائيلي لا بد أن يمر بالقضية الفلسطينية، وليس العكس، فكيف رضي بعض العرب أن يطبعوا مع إسرائيل بالقفز عن القضية الفلسطينية، وتجاوز أصحابها؟
ومع ذلك، ورغم أهمية تطوير العلاقات الإسرائيلية-العربية، خاصة الخليجية، لمصالح آنية مشتركة لهما، فإن رأيا موضوعيا منطقيا في إسرائيل ذكر عبارة جد مهمة بقوله إن التطبيع الإسرائيلي مع العرب ليس سوى الحلوى التي تقدم بعد تناول الوجبة الأساسية، وهي حل القضية الفلسطينية!