فلسطين أون لاين

​طفل مقدسي اختطفه مستوطنون وحرقوه حتى استشهاده

"محمد أبو خضير".. 5 سنوات وأمُّه تناديه دون رد

...
صورة أرشيفية
القدس المحتلة-غزة/ نبيل سنونو:

شنطة المدرسة والكتب ودروع الفوز التي حظي بها الطفل محمد أبو خضير لا يُسمح بأن يمسه أحد بأمرٍ من أمِّه التي لا تزال تناديه في كل أركان المنزل بعد خمس سنوات من استشهاده في جريمة اختطاف وحرق رهيبة نفذها مستوطنون، لكن لا يعود لها إلا رجع الصدى.

"والله العظيم لا شيء ينسيني طفلي! عندما أتحدث مع أبنائي بعد خمس سنوات أردد اسمه وأنادي: يا محمد! هذا ليس سهلا على أحد، لكنني أم ولا أستطيع نسيان ابني"؛ كأنما كان نبض قلب سهى أبو خضير والدة محمد هو الذي ينطق بهذه الكلمات، ممتزجًا مع دموع ساخنة لا تسطيع العين ذرفها.

ولا تزال أغراض محمد باقية في غرفته التي تصمم والدته على تخصيصها له رغم رحيله من الدنيا. "لا أحد يمس غرفته، محمد كباقي إخوته له حق في الدار"؛ تقول الأم لصحيفة "فلسطين"، في ذكرى استشهاد طفلها الذي كان يبلغ 16 عاما عندما تعرض لجريمة اختطاف في حي شعفاط غرب مدينة القدس المحتلة في الثاني من يوليو/تموز 2014.

تغلب الحرقة على صوت أم محمد، قائلة: إنها عندما تناديه ولا يرد تتذكر أنه قُتِل في سبيل الله وأنه حي يُرزق عند ربه.

ورغم ذلك تؤكد أنه سيظل باقيا في حياتها "لأنني أينما حللت أحس أن محمدا معي، ولو كانت أُم ثانية مكاني ربما لما تمكنت من الكلام، لكنني أستمد قوتي ووقوفي أمام بقية أولادي من محمد".

وكيف لا تذكره وهو الذي كان يملأ حياتها ويساعدها حتى في شؤون المطبخ ويجهز مائدة الإفطار!

ومنذ أسبوع تحاول أن تهيئ نفسها لحلول ذكرى استشهاد طفلها وهي تعاني من "الخنقة" التي تجتاح صدرها، فليس سهلا أن تفقد فلذة كبدها، وهي التي تردد دائما: "يا رب ولا أم تدوق اللي أنا دقته".

وتصف يوم استشهاد ابنها بأنه أصعب يوم في حياتها، خصوصا عندما تكون قد توقعت عودته لكنه لم يرجع.. مرّت خمس سنوات ولم تستوعب بعد أنه قد استشهد!

وكأنما ترى بأم عينيها أحداث الجريمة التي وقعت في شهر رمضان آنذاك: "كان ذاهبا لأداء صلاة الفجر بعدما حضرت له طعام السحور، وتوجهت للوضوء كي أحلق به، وفجأة سمعت طرق الباب".

سألها طارق الباب عن محمد، فأجابت أنه ذهب إلى المسجد حيث إنه اعتاد الجلوس أمام محل قريب من المنزل مع صاحبه قبل صلاة الفجر.

انتزعت الأم هاتفها آنذاك واتصلت بزوجها، ثم اكتشفت أنه اختطف من أمام المحل.

وبحسب شهود، فإن سيارة من نوع "هونداي" كان يتواجد بداخلها مستوطنون ادعوا بأنهم يريدون من يرشدهم إلى طريق (تل أبيب)، ولما تقدم إليهم الطفل الضحية سحبوه وأجبروه على ركوب السيارة تحت تهديد السلاح.

وانطلقت السيارة مسرعة نحو أحراش دير ياسين، وهناك حرقوه حيا حتى الاستشهاد.

وعاد القاتل ومثل جريمته لاحقا، وقال: "أخرجته من السيارة وطرحته أرضا (...) ثم أخذت قضيبا حديديًا ضربته به، وقلت للذين معي أحضروا زجاجة بنزين، ثم سكبت لتر بنزين على رأسه وعلى رجليه وأشعلت الولاعة فيه، فاشتعل في لحظة".

وارتكب المستوطنون هذه الجريمة قبل ثلاثة أشهر بالضبط من حلول ذكرى ميلاد محمد؛ إذ إنه مولود في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 1997.

وفي ظل مماطلة قضائية إسرائيلية ومحاولات إفلات من العقاب، أصدرت محكمة احتلالية في القدس في 2016، حكما بالسجن المؤبد و20 عاما، على المستوطن "يوسيف حايم بن دافيد"، بتهمة قتل وحرق الطفل أبو خضير.

وتقول أم الشهيد: إن مشتركا ثانيا في الجريمة حُكِم بمؤبد وثلاثة أعوام، وآخر حُكم بـ20 عاما.

وتخشى الأم من أن تفرج سلطات الاحتلال عن المجرمين الثلاثة بموجب "قانون" إسرائيلي يمنح رئيس كيان الاحتلال الحق في الإفراج عنهم بعد خمس سنوات، وهو ما ترفضه عائلة أبو خضير التي تؤكد أن هؤلاء المجرمين خطيرين ويجب أن يبقوا في السجن.

"حرق ثانٍ"

"مثلما حرموا ابني من الحياة، يجب أن يُسجنوا مدى الحياة"؛ هذا هو مطلب والدة محمد أبو خضير التي لم يشف الحكم الحالي بحق المجرمين غليلها، وقد عدته بمثابة "حرق" ثانٍ لطفلها كونه لم ينصفه.

الخطوة التالية التي تتجه لاتخاذها هي رفع دعوى قضائية في المحاكم الدولية، لكنها تنبه إلى أن السلطة في رام الله قالت لها: إنه يتعين عليها القيام بذلك وحدها.

وتشكو السيدة من أن خطوة كهذه ربما تكلفها 100 ألف دولار وهو مبلغ لا يمكنها توفيره.

لكن كل ذلك لا يمنعها من الاستمرار في رعاية أبنائها الآخرين وهم اثنين من الذكور وأربع بنات، يتخرج أصغرهم من الثانوية العامة.

وكم كان محمد يتمنى هو الآخر لحظة تخرجه من الثانوية العامة لإكمال طموحه في دراسة الهندسة الكهربائية! تقول والدته: إنه أخبر أباه برغبته في دراسة هذا الاختصاص لكنه حُرم من هذه الشهادة، وحصل على الشهادة الأسمى.

محمد ذلك الذي كان جنينا وتهددت حياته لأسباب طبية عندما كانت أمه تحمله، لكنها ظلت متمسكة بالأمل، إلى أن اطمأنت إلى خروجه للنور لكنه عاش 16 عاما قبل أن يرحل عنها جسدا ويبقى روحا.

سيف الدين أخو محمد هو أيضًا يصمم على أن حلم أخيه يجب أن يكتمل وسيرته يجب أن تحيا، وقد اختار الدراسة في ذات المدرسة والصف، وسيلتحق باختصاص الكهرباء.