شهدت مدينة القدس المحتلة خلال الأيام الماضية تصعيداً واسعاً في اعتداءات سلطات الاحتلال ومستوطنيها، شملت اقتحامات المسجد الأقصى، والهدم، والتهجير، والاعتقالات، في محاولة لتغيير الهوية التاريخية والدينية للمدينة.
وأكد مركز معلومات وادي حلوة أن عدد المستوطنين الذين اقتحموا المسجد الأقصى خلال الشهر الماضي تجاوز 4100 مستوطن، منهم من حاول إدخال قرابين حيوانية وأداء صلوات علنية داخل ساحات المسجد، فيما سمحت شرطة الاحتلال لعدد من المتطرفين بالصعود إلى المسجد وإنشاد ترانيم دينية. كما قامت سلطات الاحتلال بإجبار عائلتي شويكي وعودة على إخلاء عقاراتهما في حي بطن الهوى ببلدة سلوان لصالح جمعية استيطانية، في محاولة للاستيلاء على نحو 5 دونمات و200 متر مربع، بينما واصلت عمليات الهدم والإغلاق وتوزيع أوامر وقف البناء، مستهدفة المنازل والمنشآت التجارية والزراعية.
ويؤكد المراقبون أن استمرار هذه الاعتداءات يشكل تهديداً مباشراً للهوية الفلسطينية والدينية للقدس، ويستهدف تفريغ المدينة من سكانها الأصليين، وتحويلها إلى مساحة خاضعة للسيطرة الإسرائيلية، مع محاولات إعادة صياغة التاريخ والواقع الثقافي والديني للمدينة المقدسة. وتعتبر حماية المسجد الأقصى والقدس مسؤولية مباشرة على الفلسطينيين في المدينة، إلى جانب دعم المجتمع الدولي لوقف هذه الانتهاكات وحماية حقوق سكان القدس الأصليين.
بدوره قال الباحث في شؤون القدس عبد الله معروف لـ "فلسطين أون لاين": "تطورات الأحداث في المسجد الأقصى تسير بوتيرة أسرع مما توقعه المراقبون"، مشيراً إلى محاولة ثمانية مستوطنين اقتحام المسجد يوم 18 نوفمبر عبر باب الأسباط حاملين قرابين حيوانية. وأضاف معروف أن المستوطنين حاولوا تنفيذ طقوس ذبح القرابين داخل ساحات المسجد، إلا أن حراس الأقصى تمكنوا من إيقافهم قبل تنفيذ ذلك، فيما تدخلت شرطة الاحتلال واعتقلت المتسللين وأطلقت سراحهم لاحقاً.
وأوضح معروف أن المحاولة لم تكن مرتبطة بأي مناسبة دينية يهودية، وهو ما يعكس توجيهات سياسية عليا لدى تيار الصهيونية الدينية المهيمن على حكومة نتنياهو، الذي يرى الأشهر المقبلة فرصة لتطبيق رؤيته التوسعية في المسجد، مدعومة بخطوات سياسية في واشنطن عبر مقترحات قوانين تعترف بـ"السيادة الإسرائيلية الكاملة على الأقصى". وأضاف أن "العملية منسقة بين تل أبيب ومستوطني الضفة وواشنطن، بهدف تحويل المسجد الأقصى إلى موقع ديني يهودي مع السماح للمسلمين بالوصول إليه مؤقتاً، كما حدث في المسجد الإبراهيمي بالخليل".
من جانبه قال الباحث المختص في شؤون القدس فخري أبو دياب لـ"فلسطين أون لاين" إن جمعية "إلعاد" الاستيطانية، إحدى أغنى المنظمات غير الحكومية الإسرائيلية، توسع نشاطاتها في بلدة سلوان بهدف تهويدها وفرض أغلبية يهودية.
وأوضح أبو دياب أن الجمعية تشرف على نحو 70 بؤرة استيطانية في وادي حلوة، وتموّل حفريات وأنفاقاً مستمرة ومشاريع تهويدية مثل حدائق توراتية ومسارات تلمودية و"قبور وهمية"، إضافة إلى إنشاء وحدات فندقية لاستقبال المستوطنين والزوار الأجانب، في ما وصفه بـ"السياحة التهويدية" التي تستهدف غسل أدمغة الزوار وتعزيز الرواية التوراتية على حساب الرواية الفلسطينية.
وأشار أبو دياب إلى أن الهدف من هذه المشاريع هو تهويد سلوان بالكامل، وفرض واقع استيطاني وسياحي على حساب الطابع العربي والإسلامي للمدينة، تمهيداً لفرض سيطرة كاملة على المسجد الأقصى، وتحويله إلى موقع ديني يهودي، فيما يبقى المصلون الفلسطينيون تحت مراقبة مشددة ويخضعون لقيود متعددة.

