تقدير موقف
لا إستراتيجيّة إسرائيليّة تجاه غزة
د. عدنان أبو عامر
رغم حالة المدّ والجزر التي تعيشها العلاقة بين غزة ودولة الاحتلال، بين تهدئة وتصعيد، مواجهة وتوتر، لكن القناعة الإسرائيلية لا زالت على حالها بأن الفلسطينيين لم يتغيّروا، رغم بعض المناورات الميدانية المؤقتة، التي لا تغير من حقيقة أنهم لا يعترفون بحق "إسرائيل" في الوجود، كدولة احتلال قامت على أنقاض أرضهم وبلدهم، بل يرون في تغييبها عن الخارطة هدفا أساسياً محورياً.
بعيداً عن المداولات السياسية الإجرائية الإسرائيلية الخاصة بمستقبل العلاقة مع غزة، فإن الفلسطينيين يعتقدون، وفق التصور الإسرائيلي، ولعله تصور صحيح، أن هدفهم هذا يمكن تحقيقه على المدى البعيد، فإن لم يتحقق اليوم فسيحدث غدًا، وإن لم يكن غدا، فسيكون بعد خمس سنوات أو ثلاثين عامًا.
في الوقت ذاته، لا زالت "إسرائيل" في حالة من عدم المراوحة بالنسبة لمستقبل سياستها في غزة، ولم تتخذ قرارها النهائي بعد، فلا قررت الدخول في مفاوضات مباشرة مع حماس، التي لا تبدي حماسة لذلك، ولا قررت إسقاط الحركة كليّاً في القطاع، الأمر الذي يبدو مستعصيًا عليها، مما يجعلها تناور باتخاذ إجراءات وترتيبات قصيرة ومتوسطة المدى، تستمر أياماً وأسابيع ليس أكثر.
يزعم الإسرائيليون، أن حماس في حال وصلت إلى قناعة مفادها أن إسرائيل ماضية في حربها لإسقاطها حتى النهاية، فربما تغير سلوكها تجاهها، وطالما أن الحركة تعتقد أن إسرائيل ليست بوارد إسقاطها من الحكم، فإن ردع الأخيرة لن يتحسن، الأمر الذي يعني وفق هذه المعادلة القابلة للنقاش، أن حماس قد تصبح مردوعة إن شعرت أن الحرب القادمة ستفضي لإسقاطها، والإطاحة بها، لكنها مقتنعة أنه لن تقع حرب كهذه، مما يجعلها تناور في الهامش المتاح لها، ولا تبدي خشية من جولات المواجهات المتكررة.
هذا يعني بالضرورة أن الوضع القائم في غزة هش جدًّا، وقابل للاشتعال في أي لحظة، وتزداد التقديرات الإسرائيلية بأن الجانبين يقفان الآن في مرحلة يقتربان منها من حالة الاستدراج لعملية عسكرية كبيرة، دون أن يكونا راغبين بها، مع التأكيد أنه في مرحلة ما بعد الانتخابات الإسرائيلية سوف تتغير السياسة تجاه حماس.
السؤال الإسرائيلي المهم يبقى: ماذا نريد من حماس؟ صحيح أن الأفضل لإسرائيل أن يأتي يوم يتم فيه إقصاء الحركة، وإلغاؤها من المشهد السياسي الفلسطيني، وشطبها عن الخارطة، لكن في حال لم يكن لديها هذا الخيار السياسي، فستبقى تصدر تهديداتها بإرسال الجيش لاحتلال غزة، مما سيلقي بكل أعبائها الأمنية والاقتصادية على كاهل إسرائيل، وبالتالي ففي حال لم يتم تحديد استراتيجيتها تجاه غزة، فستضطر دوماً لإبرام تسويات بين حين وآخر معها.