كشفت المدة الأخيرة العديد من المؤشرات التي أزاحت الستار عن جملة من الأفعال المتماهية عربيًّا، على المستوى الرسمي والنخبوي، مع الاحتلال الإسرائيلي، ودون أي تحفظ أو تغليب لسرية العلاقات، كما كان يحدث سابقًا خوفًا من إثارة ذلك ردة فعل غاضبة ومستهجنة.
ذلك التماهي وصل إلى أن يُعزف ما يسمى "النشيد الوطني الإسرائيلي" في عواصم عربية، فضلًا عن زيارات رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزراء حكومته إليها، تحت عناوين التعاون المشترك ومواجهة الأعداء المشتركين، والقفز عن جمود العلاقة السابقة، وتطوير التبادل الاقتصادي والعسكري والثقافي، حتى الوصول إلى التطبيع الكامل في العلاقات.
وفي تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وصلت وزيرة الثقافة بحكومة الاحتلال ميري ريغيف إلى العاصمة الإماراتية أبو ظبي، لتنضم إلى فريق "الجودو" الإسرائيلي المشارك في بطولة "الجراند سلام"، وتحتفي بفوز لاعب إسرائيلي بالذهبية في اليوم نفسه الذي استشهد فيه ثلاثة أطفال من مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، بصواريخ طائرات الاحتلال الحربية.
خطى التطبيع
ومضت البحرين على خطى التطبيع، ففي كانون الأول (ديسمبر) 2017م زار وفد بحريني من 24 شخصية محسوبة على النظام كيان الاحتلال، وأعلن حينها وزير الاتصالات بحكومة الاحتلال أيوب قرا أنه التقى بعد هذه الزيارة بشهرين مبارك آل خليفة (من العائلة الحاكمة في البحرين) بـ(تل أبيب).
ولعل أكثر ما يلفت إلى التماهي العربي النخبوي مع الاحتلال زيارة "رجل الدين" التونسي حسن الشلغومي إلى (تل أبيب)، في 20 حزيران (يونيو) الجاري، ولقاؤه قادة جيش الاحتلال، والدعوة لهم بالنصر والتوفيق في حربهم ضد "الإرهاب القادم من غزة ولبنان".
ويقول رئيس المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن، الأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي، معن بشور: "إن حالة التماهي والتطبيع العربي مع الاحتلال تعكس مدى الصورة السوداء التي وصلت إليها المرحلة، إذ باتت العلاقة مع المحتل طبيعية، ولا يخجل أصحابها منها بأي حال من الأحوال".
ويلفت المفكر اللبناني في حديث لصحيفة "فلسطين" إلى أنَّ بعض الدول العربية ترى أنَّ التطبيع مع الاحتلال حماية لنظامها وبه تحصد رضا الإدارة الأمريكية، موضحًا أن الاحتلال استفاد كثيرًا من التطبيع واللهث العربي عليه، إذ حقق له زيادة التبجح والإنكار للحقوق الفلسطينية، وقفل بوابة التسوية، والاستمرار في نهب الأراضي الفلسطينية، والانقضاض على حقوق الشعب الفلسطيني.
ويشدد بشور على أن المطبعين على النحو الرسمي يجدون مساحة من التسويق للتطبيع، من بوابة مواجهة الأخطار والتهديدات المشتركة من دول الإقليم، أو بعض التنظيمات الفلسطينية المقاومة.
والتطبيع العربي الرسمي والنخبوي على تطوره في السنوات الأخيرة ما زال معزولًا، وما زالت الحقوق الفلسطينية واستعادة الفلسطينيين لأراضيهم المحتلة شرطًا لقبول التطبيع وإقامة العلاقات بين الدول العربية و(تل أبيب)، وفقًا لحديثه.
"اللهث العربي"
ويؤكد د. عبد الله الأشعل، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، أن الاحتلال يستفيد استفادة كبيرة مما أسماه "اللهث العربي" تجاه التطبيع في مجالات عدة، عادًّا التطبيع تنكرًا للقضية الفلسطينية.
ويبين الأشعل في حديث لـ"فلسطين" أن أشكال التطبيع السياسي لا تعد اعترافًا بوجود الاحتلال على أرض فلسطين فقط، بل تصل إلى فتح باب التطبيع في المجالات المختلفة معه، ومنها المجالات الأمنية والاستخبارية، ما يساعده على تثبيت احتلاله لفلسطين.
ويشير إلى أن اتفاق "كامب ديفيد" للسلام بين مصر والكيان الإسرائيلي عام 1978م كان البداية لانطلاق قطار التطبيع، إلا أن اتفاق "أوسلو" أزاح الحرج عن المطبعين، ومهد للدول العربية الطريق نحوه وإعلانه.
وذكر أنَّ التطبيع العربي بالتزامن مع محاولة واشنطن فرض رؤيتها عبر ما يسمى "صفقة القرن" يأتي بإرادة الحكام، وأحيانًا أخرى تحت الضغط الأمريكي، في حين يستفيد الاحتلال من ذلك بعدّه جسمًا أصيلًا في المنطقة.