تشكِّل الهجرة الجماعيَّة للإسرائيليِّين، الَّتي فاقت أيَّ حدث سابق، تحوُّلاً تاريخيًّا في المشروع الصَّهيونيِّ، وبعد عقود من التَّرويج لأمن "إسرائيل" وازدهارها، حيث أغرق "طوفان الأقصى" حلم "أرض الميعاد"، ودفع الآلاف من المستوطنين للبحث عن ملاذات آمنة خارج حدود دولة الاحتلال.
وبـ "لغة الأرقام"، كشف تقرير دائرة الإحصاء المركزية أنّ عدد الإسرائيليين، الذين غادروا فلسطين المحتلة، في عام 2024، وصل إلى 82.7 ألف شخص، ويمثل زيادة، مقارنة بالعام السابق.
وذكر موقع "واللاه" أنه، بحلول نهاية عام 2024، يُقدّر عدد "سكان إسرائيل" بنحو 10 ملايين نسمة، مع زيادة سكانية بلغت 1.1% فقط، وهو معدل نمو منخفض مقارنةً بالعام السابق، ويرجع ذلك، بصورة رئيسة، إلى العدد الكبير من الإسرائيليين الذين هاجروا.
وبالسياق ذاته، كشفت ورقة بحثية أعدها مركز الدراسات السياسية والتنموية ورقة حول الهجرة العكسية من دولة الاحتلال الإسرائيلي خلال العدوان على غزة.
وأظهرت الورقة البحثية، أن الهجمات الصاروخية المتكررة من غزة دفعت العديد من العائلات الإسرائيلية للبحث عن ملاذ آمن خارج إسرائيل، أو في مناطق داخلية أكثر استقراراً، فيما صور المطارات الإسرائيلية المكتظة بالمسافرين الفارين من الحرب انتشرت على نطاق واسع عبر وسائل الإعلام الدولية ومنصات التواصل الاجتماعي، مما أبرز حجم الأزمة المتصاعدة، وتُعد هذه الموجة من الهجرة العكسية من أكبر التحديات التي يواجهها الكيان الإسرائيلي منذ تأسيسه، خاصة في ظل التغيرات المجتمعية والاقتصادية والسياسية الأخيرة.
كما برزت تقارير إعلامية إسرائيلية تشير إلى تزايد نشاط شركات الهجرة، التي تسارع لتقديم خدماتها لطالبي الهجرة، بما يشمل تسهيل نقل الأصول المالية وإنشاء حسابات مصرفية وشراء عقارات في دول أوروبية مثل قبرص، اليونان، إسبانيا، والبرتغال، وتشير التقديرات إلى أن حوالي 550 ألف إسرائيلي غادروا الكيان منذ أكتوبر 2023، وهو ما تنفيه الحكومة الإسرائيلية، مدعية أن هذه الأرقام تعكس النزوح الداخلي بين المناطق وليس الهجرة إلى الخارج.
وتشير بيانات سلطة السكان الإسرائيلية إلى مغادرة أكثر من 550 ألف إسرائيلي في موسم الصيف وأثناء الحرب، ولم يعودوا حتى أبريل 2024، وفق المكتب المركزي للإحصاء، غادر نحو 60 ألف شخص تل أبيب عام ولم يعودوا خلال 2023 إلا في زيارات قصيرة، وخلال عام 2023، بلغ عدد المهاجرين 60 ألفًا، مقارنة بمعدل سنوي بلغ 40 ألفًا في السنوات السابقة.
يذكر أن أبرز الدول الاكثر استقطابا للاسرائيليين هي قبرص اليونانية التي أصبحت الوجهة المفضلة لهؤلاء الفارّين، إذ استقبلت نحو 2500 منهم فقط في يوم واحد ، بعد أيام قليلة من معركة "طوفان الأقصى" ، وارتفاع الإقبال على نيل الجنسية الفرنسية بنسبة 13%، وسجلت السلطات البرتغالية زيادة بنسبة 68% في طلبات الحصول على الجنسية من الإسرائيليين، كما سجلت السلطات البولندية والألمانية زيادة بنسبة 10% في نفس الطلبات.
وبلغ بلغ متوسط أعمار المهاجرين في عام 2023 (31.6 عاما) للرجال، بينما بلغ متوسط أعمار النساء (32.5 عاما). وشكّل من هم في العشرينيات والثلاثينيات من العمر 40% من المهاجرين، على الرغم من أنهم يمثلون حوالي 27% فقط من السكان.
صحيفة "جيروزاليم بوست اعتبرت أن هذا يعني أن الكيان يخسر قوى عاملة كبيرة في سن يدخل فيه كثيرون إلى سوق العمل أو يتابعون دراستهم أو يتلقون تدريبا في الخارج ومن بين المهاجرين، شكّل العُزّاب 48% من الرجال و45% من النساء.
وهاجر حوالي 41% منهم مع شريك حياته/حياتها، مما يعزز الانطباع بأن كثيرين من هؤلاء هاجروا بصورة نهائية.
ووفق بيانات وزارة الهجرة واستيعاب القادمين الجدد والوكالة اليهودية، شهد النصف الأول من عام 2022 انخفاضًا حادًا بنسبة 20% في معدلات استقدام اليهود من أمريكا وأوروبا.
وعلى الرغم من زيادة قدوم اليهود الأوكرانيين والروس خلال العام ذاته، فإن ذلك كان مدفوعًا بأوضاع الحرب في تلك الدول، ومن بين 5,600 يهودي روسي استفادوا من "قانون العودة"، عاد حوالي 1,800 منهم إلى روسيا خلال فترة قصيرة.
وفي أعقاب انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2022، التي أسفرت عن تشكيل حكومة وصفت بأنها الأكثر تطرفًا في تاريخ الكيان، ارتفع عدد الإسرائيليين الساعين للحصول على الجنسيات الأوروبية. هذا التوجه كان مدفوعًا بسياسات متشددة يقودها شخصيات بارزة مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير.
يذكر أن تصاعد ظاهرة الهجرة اليهودية العكسية يأتي بسبب تنامي نفوذ التيار الديني اليميني المتطرف والأحزاب الحريدية في المجتمع الإسرائيلي، وتغلغلها في الوزارات الحكومية وسيطرتها على مقاليد الحكم بالكيان.
وفي ظل التغييرات المجتمعية والاقتصادية والقضائية التي يدفع بها نتنياهو في الأعوام الأخيرة.
أثرت الحرب بشكل كبير على عدة جوانب، سواء الاقتصادية أو الاجتماعية، فضلاً عن السياسية والعسكرية، ومع بدء الهجرة العكسية، تكبد الكيان خسائر مالية ضخمة بسبب هجرة الأيدي العاملة، وتوقف كثير من المصانع والمعامل، فضلاً عن بقية القطاعات الصناعية والزراعية.
كما تؤثر الهجرة العكسية على القطاع العسكري، وذلك بعد رفض عديد من الإسرائيليين الالتحاق بالجيش.