تتزايد الانتقادات الإسرائيلية لقمة البحرين ومخرجاتها الاقتصادية، وما قدم فيها من خطط وأوراق ووثائق، لأنها مخيبة للآمال، ومحرجة لمن قدمها؛ وتكشف ذروة في عدم الجدية، وغياب المهنية، والانفصال عن الواقع.
كاتب السطور قرأ في الأيام الأخيرة تحليلات اقتصادية إسرائيلية أخضعت الخطة الأمريكية التي وزعها كوشنير، عراب قمة البحرين، وقد وجهت كلمات لاذعة لما قدمه من محاضرة اقتصادية عبرت عن عدم فهم جيد للواقع الاقتصادي الجاري في المنطقة، وتجاهل تام للتطورات الجيو-سياسية الإسرائيلية الفلسطينية، بما يفسر ضحالة الوثيقة الأمريكية.
تؤكد القراءات الإسرائيلية أن الخطة الاقتصادية الأمريكية التي وزعت خلال قمة البحرين لم تقدم حلولا تفصيلية للمشاكل الاقتصادية، كما أن المبلغ المرصود للفلسطينيين، وهو خمسين مليار دولار، ليس حقيقيا، لأن ما حصلت عليه السلطة الفلسطينية فقط خلال العقد الأخير يصل 23 مليار دولار، ولذلك فإن التفكير الأمريكي بتحويل فلسطين إلى سنغافورة وكوريا الجنوبية وفق الوثيقة الأمريكية هو حماقة اقتصادية واجتماعية وسياسية وشرق أوسطية من الدرجة الأولى.
يمكن لنا في هذه العجالة الربط بين قمة البحرين 2019 وقمة الدار البيضاء 1994، حين هبطت طائرات إسرائيلية بتلك المدينة المغربية، التي استضافت القمة الاقتصادية الشرق أوسطية وشمال أفريقيا عقب توقيع اتفاق أوسلو، وأتت بمئات الإسرائيليين، بينهم رئيس الحكومة إسحاق رابين، ووزير الخارجية شمعون بيريس، وسياسيون، ورجال أعمال، وصحفيون، وخبراء.
شهدت تلك القمة توزيع وثيقة اقتصادية إسرائيلية مزدحمة بالخرائط والخطط التي أعدها طواقم خبراء من إسرائيل والأردن وفلسطين ومصر، وتصدر هذه الخطط مشاريع كبيرة في إقامة البنى التحتية المشتركة ومشاريع تفصيلية، وكانت ترجمة هذا الكتاب بالتفصيل هو عبارة "شرق أوسط جديد".
تصفح المندوبون العرب المشاركون بالقمة الوثيقة الإسرائيلية، وحين بدؤوا بتقليب صفحاتها، خرج منهم انطباع، وكأن ماء باردا صب على ظهورهم، فقد فتحوا الكتاب بسرعة، ثم أغلقوه على الفور، ولسان حالهم يخاطب الإسرائيليين الحاضرين لهذه القمة: لا نريدكم، إن أردنا تطوير اقتصاديات بلادنا سنفعل ذلك بمفردنا، ووفق طريقتنا الخاصة.
أكثر من ذلك، فإن المشاريع المطروحة آنذاك للتطوير الاقتصادي الإقليمي لتطوير الشرق الأوسط، لم تنجح، ولم يتم التوقيع على أي اتفاق للاستثمارات الاقتصادية، حتى خلال القمم التالية بالقاهرة وعمان، فالشكوك المتبادلة، والعداء الثنائي، والخشية من عملية التطبيع مع إسرائيل باشتراط التوصل لحل مع الفلسطينيين، حطمت آمال التوصل لشرق أوسط اقتصادي جديد.
وفي الوقت الذي أظهرت فيه قمة الدار البيضاء في 1994 مستوى متقدما في الجدية والواقعية والمهنية، فقد أظهرت لنا الوثيقة الاقتصادية الأمريكية في قمة البحرين 2019 نموذجا من الأوهام.