لقد فقدت الهواتف المحمولة صفتها الأصلية التي اكتشفت من أجلها، ألا وهي الاتصال والتواصل مع الأحباب والأهل والأصدقاء، ليستخدمها شبابنا في مجالاتٍ عِدة تَفوق استخدامهم إياها للاتصالات، وهنا تكمن الخطورة على أكثر من مستوى واتجاه، والمزعج حقًّا أن الهاتف المحمول أصبح الصديق الدائم ليل نهار في غرفة النوم والعمل والدراسة في الجامعة والمدرسة والشارع، هو المرافق صاحب الخصوصية المطلقة والحدود المفتوحة، بلا قيود عمرية ولا اعتبارات ذكورية أو أنثوية، وهنا لابد أن نعترف بأنه أصبح ضرورة من ضرورات الحياة، ولا يمكن الاستغناء عنه أو إلغاؤه، لكن ما يجب أن نتفق عليه كيفية ضبطه وتقنين استخدامه، وخاصة الأطفال، وهنا لابد من رسالة سريعة للأمهات والآباء بضرورة الانتباه لأطفالهم، وعدم ترك الهاتف المحمول أو "الآيباد" ساعات طويلة ومتواصلة مع صغار السن، وألا يسعدوا كثيرًا ولا يتباهوا بأنهم يجيدون التعامل به ومعه أحسن منهم؛ فهذه حقيقة لدينا جميعًا، فهم ولدوا معه وعاشوا من طريقه، لكن خطورته عليهم كبيرة ومدمرة لقدراتهم الذهنية والعقلية، بل مشتتة للتركيز، قاتلة للدماغ، مدمرة لعيونهم؛ فالدماغ يكون في حالة موت سريري في كثير من حالات التعاطي مع الجهاز المحمول، وتحديدًا الكثير من الألعاب والمشاهدات التي يقف الطفل أمامها متخشبًا بلا حراك لجسد أو روح.
أما خطورته على الكبار والشباب فليست أقل؛ فتتعدى خطورة الجسد إلى تدمير السلوك وانحرافه عن الاتجاه الصحيح، إذ يلفت انتباه الشباب إلى أشياء كثيرة هم في غنى عنها على الأقل في المرحلة العمرية الأولى، ومما يزيد الطين بلة انطواء الشباب اجتماعيًّا، وخدعة شعورهم بالخصوصية، وبناء صداقات افتراضية وهميةليست حقيقية، لتقلب مفهوم انتقاء واختيار الأصدقاء الذي تربينا عليه من عشرات السنين بل العقود، ليخلق جيلًا مشوهًا ضيق الأفق يتمتع بخصوصية وهمية، يتابعه من طريقها ملايين البشر عبر الشبكة العنكبوتية.
عليه، صديقي الأب، أختي الأم، لا تقفوا عاجزين متفرجين تنتظرون الفرج والعون من الآخر، فلن يجدي ذلك نفعًا، وستفقدون السيطرة الكاملة مستقبلًا، فعليكم البدء فورًا، وتحديد ساعات وأوقات التعامل مع الجوال لأطفالكم على الأقل، ومتابعة شبابكم برفق وأخوية عالية وحميمية دافئة، كي لا يوظفوا مهاراتهم في حجب وإخفاء المواقع والأشخاص الذين يتواصلون معهم، بل عززوا الثقة معهم، وابنوا أواصر المحبة والاعتماد عليهم بعلاقات واضحة وشفافة، علموهم أن أصدقاء مواقع التواصل ليسوا أصدقاء حقيقيين دومًا، بل فيهم ... وفيهم ...، وضّحوا لهم أن الخصوصية مضروبة ومخترقة، وليست حقيقية، وليحافظوا على بعض أسرارهم بعيدًا عنها، أيها الآباء، أولادكم أمانة في أعناقكم؛ فلا تضيعوا الأمانة.