عديدة هي الدعوات الإسرائيلية الصادرة في السنوات الأخيرة من صحفيين وكتاب وإعلاميين، تنادي بالهجرة من "إسرائيل"، والعودة إلى الوطن الأم الموزع في أصقاع الأرض، من شرقها إلى غربها.
اختلفت أسباب الدعوات الإسرائيلية بين كونها شخصية أو عامة، ولم يكن بينها تراجع الوضع الاقتصادي، كسبب رائج دائما لمغادرة البلدان، في ظل معدلات الدخل العالية التي يتمتع بها الإسرائيليون، خاصة إذا تم قياسها بما هو سائد في المنطقة العربية.
مبررات الإسرائيليين في الهجرة من "إسرائيل" تتركز في تردي الوضع الأمني، وعدم الشعور بالراحة فيها، وشعورهم بالتهديد على حياتهم، بسبب استمرار المواجهات العسكرية بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية والدول المجاورة.
لكن الجديد في الدعوات الإسرائيلية، تلك المتعلقة بمن أصدرها، وسبب صدورها، فمن يدعو اليوم لمغادرة إسرائيل، وعدم البقاء فيها، ليس إسرائيليا عاديا، بل هو الرئيس الأسبق لجهاز الموساد شبتاي شافيت، أعلى منصب أمني في الكيان، الذي أعلن أنه "قد يجد نفسه يومًا ما يحزم أمتعته، ويغادر إسرائيل"، مما جعل لدعوته أصداء وارتدادات ما زالت تعيشها إسرائيل حتى كتابة هذه السطور رغم مرور عدة أيام عليها.
شافيت الذي يتم هذه الأيام ثمانين عاما يعتبر من جيل التأسيس للكيان المحتل، ويضع في الآونة الأخيرة نصب عينيه الإطاحة برئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، لأنه لا ينوي إخراج الدولة مما وصفه توازنها الهش، مقابل ما يأخذه من وقت لمعالجة فضائحه الجنائية كأولوية، ولا يلقي بالا للمخاطر القادمة على إسرائيل في حال أقيمت الدولة ثنائية القومية مع الفلسطينيين، التي يخطط لها اليمين الإسرائيلي.
أما سبب صدور هذه الدعوة المفاجئة، فلأنه لا يستطيع العيش في دولة يدعو إليها عتاة اليمين متمثلة بدولة الشريعة اليهودية، وفي هذه الحالة فلن يبقى في إسرائيل لحظة واحدة إن حكمها شخص من المتدينين.
شافيت، ذو السيرة الذاتية الأمنية الطويلة، ومن قاد جهاز الموساد في أدق سنواته خطورة، وأشرف على تنفيذ العديد من الاغتيالات ضد الفلسطينيين، لا يتردد بالقول إنه "في نهاية عمري، ربما أمر بلحظات حاسمة، فأحضر حقيبة سفري، وأغادر الدولة، إن تحولت إلى المكان الذي لا أريد العيش فيه، حينها لن أبقى فيها؛ ولا يمكن لأحد أن يفرض علي الحياة في بقعة لا أشعر فيها أنني حر".
هنا نسأل: ترى كم من المسؤولين الإسرائيليين مثل شافيت، لديهم ذات القناعات والأفكار بمغادرة إسرائيل، لأنها لم تعد تلك الدولة التي رسم لها الزعماء الصهاينة صورة نمطية تجمع شتات اليهود من العالم، وإذ بها تضيق بهم، ولا تتسع لخلافاتهم.. يا شافيت، ارحل غير مأسوف عليك!