سيطر الوضع الأمني في غزة على النقاش الدائر في إسرائيل، لا سيما في ظل أجواء انتخابية حامية، وصدور تعليقات تتهم الحكومة ورئيسها بالتقاعس أمام الفلسطينيين في القطاع.
تركزت الانتقادات الموجهة لسياسة الحكومة الإسرائيلية في أن الفصائل بغزة باتت مستعدة لأن تخاطر وتواصل سياسة شفا الهاوية أمام إسرائيل، لأنها تدرك العقبات التي تمنع الأخيرة من الذهاب لمواجهة عسكرية شاملة في غزة، وهي لا تحتاج لكثير من المعلومات الاستخبارية، فهي تستمع لذلك في كل لحظة، والأهم أن الفصائل تزيد من مظاهراتها الاحتجاجية على طول الحدود، رغم أنها لا تريد الوصول بهذه الممارسات للحرب الشاملة.
من خلال استعراض لغة الأرقام، فإن حرب غزة الأخيرة 2014 شهد إطلاق الفصائل الفلسطينية 3852 قذيفة، وفي 2015 أطلقت 15 قذيفة فقط، وفي 2016 أطلقت 15 أخرى، وفي 2017 أطلقت 29 قذيفة، لكن منذ مارس 2018 حيث انطلقت مسيرات العودة على حدود غزة بدأت الفصائل سياسة جديدة كليا، فقد شهد 2018 إطلاق 1119 قذيفة، وحتى يونيو 2019 أطلقت 784 قذيفة.
هذا يعني وفق المفهوم الإسرائيلي أن الفصائل تنتهج سياسة جديدة متمثلة بممارسة ضغوط عنيفة على إسرائيل باستهداف المستوطنين في غلاف غزة بمظاهر البالونات الحارقة، والإرباك الليلي، والمسيرات، وإطلاق القذائف، صحيح أن الفصائل لا تسمي ما يحصل على حدود غزة حرب استنزاف، لكننا أمام حرب استنزاف فعلية.
يبدي الإسرائيليون قلقهم من تطورات الأيام الأخيرة في أن الفصائل لا تريد فعليا الذهاب لحرب شاملة مع إسرائيل، لكن ذلك في الوقت ذاته لا يمنعها من التعامل بمنطق تهديدها، والإعلان في كل لحظة أنها ستواصل ممارساتها الميدانية، مما يعني أنها لم تعد مردوعة، بدليل إطلاق القذائف الصاروخية، والمخاطرة في وجه إسرائيل.
لا يحتاج أحدنا لكثير من إعمال العقل في البحث عن السبب في هذه السياسة القائمة في غزة، فالفلسطينيون يرون أمام إسرائيل جملة من العقبات والعراقيل التي تمنعها من الذهاب لحرب واسعة، ومن أهمها خشيتها من فقدان جنودها في المواجهة البرية، بمعنى أن باتت تخاف من ذلك، وهذا يعني أن عدم استعدادها للقتال قد يفتح شهية الفلسطينيين لمزيد من استفزازها واستنزافها، لأنهم لم يعودوا مردوعين بصورة كافية.
ولذلك فإن الحديث الإسرائيلي المتكرر عن بالونات حارقة ومسافات الصيد انشغال بمسائل تكتيكية، لأنها تعني أن إسرائيل ليس لديها سياسة إستراتيجية أمام غزة، مع أن الأخيرة لديها سياسة واضحة تجاه إسرائيل، لأنها شخصت جملة وقائع تعيشها إسرائيل أهمها أن غير معنية بحرب واسعة، مما جعلها تدرك الهامش المتاح أمامها، وتستنزفها، كلما سنحت الفرصة.