فيما تتواصل التحضيرات لانعقاد مؤتمر البحرين الاقتصاديّ، أعلن مسئول أميركيّ أنّ واشنطن ستطرح في المؤتمر مشروعاً لإعادة ترميم مخيّمات اللاّجئين وبنائها في الضفة الغربية وقطاع غزة كمدن دائمة وبلدات ثابتة، كي تكون تجمّعات إسكانيّة مستقرّة للفلسطينيّين، وهو توجه أمريكي يحظى بدعم إسرائيلي لأنه يريحها من صداع مزمن عانت منه بسبب بقاء هذه المخيمات، شاهدا على ما اقترفته من جريمة تهجير لسكانها.
كاتب هذه السطور علم أن الأونروا ليس لديها موقف واضح من هذا المخطط، لكن في حال توفر الدعم الدولي له، فسيتم تنفيذه عبر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وليس الأونروا، فالأمريكان يعملون بمعزل تام عنها، ولا يشاركونها في مشاوراتها، بل يحاولون استغلال الواقع المعيشي السيئ لمخيمات اللاجئين.
من حق اللاّجئين في المخيّمات أن يعملوا على تطوير ظروف مخيماتهم الصعبة نحو الأفضل، مع أن وضعها بدأ يبتعد تدريجيّاً عن نموذجها الأصليّ، حين تمّ بناؤها بعد النكبة من ألواح الزينكو والقرميد، لكن اللاّجئين اليوم مع تزايد عائلاتهم باتوا يشترون قطع أراض خارج المخيّم، ويبنون عليها عمارات من طوابق عدّة.
مشكلة التوجّه الأميركي المدعوم إسرائيلياً، أنه امتداد لمشاريع توطين اللاّجئين خلال عقود الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، التي هدفت لمنع عودة اللاجئين، وتذويب قضيتهم، وإزالتها من الصراع العربي الإسرائيلي، وتحطيم هويتهم الجماعية، وإزالة مخيماتهم.
تكشفت في الأيام الأخيرة بعض المعلومات المرتبطة بالخطّة الأميركيّة المستندة لدراسة نشرها معهد أبحاث الأمن القوميّ بجامعة تلّ أبيب في 2017، لتوسيع 9 مدن وقرى في الضفّة هي: جنين ونابلس وطولكرم وطوباس شمالها، الجفتلك وأريحا شرقها، البيرة وبيت لحم وسطها، والخليل في جنوبها، وإقامة مدن بجانب بيتونيا غرب رام الله وترقوميا غرب الخليل، وأخرى شمال غور الأردن، ومنطقة اللطرون، وفي رفح جنوب غزّة.
يأتي التوجّه الأميركيّ الإسرائيلي في سياق سياسيّ وميدانيّ لإنهاء ملف اللاّجئين، بتوسيع المخيّمات، وتطوير مساكنها، وإنشاء أخرى جديدة، وبناء منازلهم بالباطون، وإقامة طرق واسعة وساحات ومنتزهات عامّة ومواقف سيّارات، وتخضع إدارتها للبلديّات المحليّة وليس الأونروا، كالأحياء السعوديّة والإماراتيّة والهولنديّة واليابانيّة جنوب قطاع غزّة.
صحيح أن المشروع الأميركيّ المدعوم إسرائيلياً جانبه إنسانيّ، لكن بعده سياسيّ، وقد لا يهدف لبناء مدن جديدة، بل ترميم المخيّمات لتحسين خدماتها، ولذلك فإن محاذيره تكمن في نزع صفة المخيّم عنه، وتخلّي اللاّجئين عن صفتهم، وعدم إشراف الأونروا على المخيّمات المعاد بناؤها، كمقدّمة لإلغائها.
خطورة هذا المخطط الأمريكي الإسرائيلي أن دافعه الأساسيّ يكمن ببناء مدن جديدة، بدل المخيّمات، لاعتقادها أنّ قضيّة اللاجئين عبارة عن أزمات ماليّة وضائقة اقتصاديّة يعانونها يمكن التغلّب عليها، مع أنّها قضيّة سياسيّة تتعلّق بتهجير مئات آلاف الفلسطينيّين خارج بلادهم، ويريدون العودة إليها.