ما زالت الصورة غير واضحة عما حصل بالضبط فجر الثلاثاء قرب مقر جهاز الأمن الوقائي بمدينة نابلس، فهي المرة الأولى منذ سنوات طويلة، التي يهاجم الجيش الإسرائيلي مقر الجهاز، وحتى الآن لا يعرف بالضبط سبب الحادث في ظل روايات متضاربة.
هذا الحدث يعتبر استثنائيا لأنه يأتي في ظل ظروف بالغة التوتر والحساسية بين الجانبين، وأحاديث إسرائيلية عن قرب انهيار السلطة الفلسطينية، والتحضير لليوم التالي لغياب الرئيس محمود عباس، مما يطرح أسئلة حول مدى تأثير هذا الحادث على مجريات التنسيق الأمني الجاري على قدم وساق بينهما، رغم الجمود السياسي الذي يعيشانه منذ سنوات.
يبدو مهماً التأكيد أن التنسيق الأمني بين السلطة و(إسرائيل) يواصل عمله في ذروة التوتر السياسي القائم بينهما، بما يشمل ملاحقات لمخططي الهجمات الفلسطينية ضد إسرائيل، واعتقالهم، وتبادل المعلومات الأمنية لمنع حدوث أي عملية فدائية.
توالي ردود الفعل الفلسطينية حول حادث نابلس، والتنديد بما قام به الجيش الإسرائيلي، لا يلغي فرضية أن السلطة تنفذ مع (إسرائيل) سياسة "الباب الدوار"، ويقصد بها اعتقال فلسطيني من قبلها، ولدى الإفراج عنه يتم اعتقاله من قبل (إسرائيل)، وحين تعتقل الأخيرة فلسطينيا آخر ثم تفرج عنه، يقوم الأمن الفلسطيني باعتقاله.
هذا يعني أن السلطة تعمل بكل علانية على إفشال أي هجوم فدائي مسلح ضد جنود الاحتلال ومستوطنيه، بدليل أن الأمن الوقائي الذي هاجم مقره الجيش الإسرائيلي يعمل بصورة حثيثة في مختلف أنحاء الضفة الغربية على اعتقال عشرات المقاومين.
لا تبدو المنظومة الأمنية الفلسطينية في حالة رد فعل عنيف وقاسٍ تجاه نظيرتها الإسرائيلية رداً على حادث نابلس، في ظل وجود تعليمات سياسية عُليا تصل الرئيس عباس باستمرار التنسيق الأمني لمنع تحقق أي هجوم على إسرائيل، ومباهاة رؤساء أجهزة الأمن الفلسطينية بإحباط مئات العمليات المسلحة ضد (إسرائيل) خلال السنوات الأخيرة التي شهدت قطيعة سياسية كاملة بين رام الله وتل أبيب.
في بعض الأحيان يتجاوز الأمر التنسيق الأمني المتفق عليه إلى وجود حالة من التنافس بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية لتقديم المعلومات الاستخبارية للجيش الإسرائيلي عن المقاومة ونشطائها، بما يشمل أن يقوم الأمن الفلسطيني بتزويد نظيره الإسرائيلي بالاعترافات التي قدمها المعتقل الفلسطيني لدى التحقيق معه في السجون الفلسطينية، مما يشير لوجود شبكة معلومات حاسوبية مشتركة بينهما.
أخيراً... رغم ما أثاره حادث نابلس بين الأمن الوقائي والجيش الإسرائيلي من غضب بين الفلسطينيين، لكن لا يبدو أن السلطة ستتجاوز غضبها "الإعلامي" إلى إجراءات ميدانية على الأرض، كالتهديد بوقف التنسيق الأمني أو تجميده، خشية رد الفعل الإسرائيلي.