فلسطين أون لاين

​عقدة الخسائر البشرية تسيطر على الجنرالات الإسرائيليين

لا ينفك كبار الجنرالات الإسرائيليين عن توجيه الانتقاد القاسي للسلوك الرسمي تجاه قطاع غزة، على الصعيدين السياسي والعسكري، على اعتبار أن الجيش يقاتل اليوم في غزة بصورة سيئة، ولا يقوم بما يجب القيام به، لأنه باختصار خائف من القتال، ومن وقوع الخسائر البشرية في صفوفه.


يزيد من هذه الانتقادات أن التقديرات تتحدث عن سقوط خمسمائة قتيل من جنوده وضباطه، مع العلم أن القتال في غزة ليس مجانيا، لأنه سيكون في منطقة سكنية وعلى الأرض، وفي ظل قناعة بأن الجيش إن دخل غزة، فسوف يتورط فيها سنوات طويلة، رغم وجود من يفند ذلك من الإسرائيليين بزعم أنه يمكن اجتياح القطاع بعض الوقت، ثم ننسحب منه، كما حصل خلال حملة السور الواقي بالضفة الغربية.


تشير هذه الانتقادات إلى أن الجيش الإسرائيلي اليوم ليس في حالة جيدة، ورغم أن المسئولية المهنية ملقاة على عاتقه للتعامل مع غزة، لكن في حال خاطب رئيس هيئة أركانه خلال حرب غزة الأخيرة 2014 الحكومة، بأننا مطالبون بدخول غزة، ونعرف كيف ندخل هناك، فلا تقلقوا، فحينها ربما صادقت الحكومة على العملية، لكنها لم تستطع أن تقف بمواجهة الجيش!


هذه القناعات المتزايدة في الأوساط العسكرية الإسرائيلية لا تتناقض مع أن الجيش مستعد للحرب، وربما يملك القوة العملياتية لإخضاع الفلسطينيين، بإمكانيات عسكرية وقتالية قادرة على خوض مواجهة ضارية، لكنه في الوقت ذاته لا يستطيع تحقيق الحسم العسكري والانتصار الحاسم، في ظل ما بات يسمى العامل الاجتماعي الذي يضع ثقله على الجيش بصورة واضحة، لاسيما منذ حرب أكتوبر 1973 حين فقدت إسرائيل خسائر بشرية هائلة.


هذه الظاهرة المقلقة التي تولدت في المجتمع الإسرائيلي، تتمثل بدفع كل الأثمان مقابل عدم سقوط قتلى في صفوف الجنود، أو وقوعهم في الأسر لدى العدو، مما أوجد لدى المقاومة الفلسطينية دافعية لقتل وأسر المزيد من الجنود والمستوطنين، وإدارة معركة مساومة مهينة ومستنزفة بالضغط على إسرائيل في الخاصرة التي تؤلمها كثيرا، وهذا كفيل بتحقيق انتصار كبير في الوعي للفلسطينيين على إسرائيل.


إن الإشكال الأساسي الذي يواجه إسرائيل في حروبها القادمة تلك الحساسية المبالغ فيها تجاه القتلى والمصابين والمخطوفين والمفقودين، وهذا الضرر الاستراتيجي الصادر عن المجتمع الإسرائيلي تتلقفه المجتمعات الأخرى في المنطقة، وترى أن المجتمع الإسرائيلي بات ضعيفا، ما يمس بالصورة الردعية لإسرائيل، ويمنح أعداءها أملا استراتيجيا على المدى البعيد بأنه يمكن محو إسرائيل من خارطة الشرق الأوسط.


صحيح أن هذا مستبعد حالياً في ظل الظروف القائمة، لكنه ليس مستحيلا.. على الأقل هكذا يقرأ الإسرائيليون أفكار أعدائهم تجاههم!