رغم ما تشكله البيئة العلمية البحثية الإسرائيلية من حوافز للبقاء فيها، لاسيما للأوساط التعليمية والأكاديمية، لكن التحذيرات تخرج بين حين وآخر حول ما يوصف بأنه كارثة حقيقية تواجهها مع تزايد ظاهرة هجرة العلماء والأدمغة إلى الخارج حيث يبحثون عن مستقبل أفضل لهم بعيدا عنها، ويتركز هؤلاء في: الباحثين، العلماء، الأطباء.
تقول الدراسات الإسرائيلية الأخيرة أن كل أكاديمي يهودي يعود إلى إسرائيل يقابله 4.5 أكاديميين يهاجرون منها، حتى إن الولايات المتحدة وحدها يعمل فيها 3500 طبيب إسرائيلي، الأمر الذي يعني أن إسرائيل تبتعد مع مرور الوقت عن الدول المتطورة.
أكثر من ذلك، فإن الإسرائيليين المثقفين وأصحاب الكفاءات النوعية، ممن يحققون نجاحات جدية للاقتصاد الإسرائيلي يواصلون هجرتهم من إسرائيل في ظل السياسة الحكومية التي تبعد هذه الكفاءات عنها بدل تثبيتهم فيها، لا سيما وأن معدلات الهجرة من إسرائيل تتركز في ثلاث فئات سكانية يهودية: الباحثين والأكاديميين، الأطباء، والعاملين في مجال الهايتك، ويصل عددهم جميعاً 130 ألفا من سكان إسرائيل.
ليس مبالغة القول إن هذه الأرقام تشكل مؤشرات حرجة على مستقبل البعد التعليمي في إسرائيل، حتى لو تحدثنا عن عدة عشرات آلاف فقط، فقد يكون لها تبعات كارثية على الدولة، لأن المعطيات تكشف أن تخصصات العلماء الإسرائيليين المهاجرين للولايات المتحدة تتركز في: الكيمياء، الفيزياء، الفلسفة، الحاسوب، الاقتصاد، إدارة الأعمال.
يعيد الباحثون الإسرائيليون السبب في ارتفاع معدلات هجرة الأدمغة من إسرائيل نسبة الأجور في القطاع الخاص الغربي، وكذلك الجامعات الغربية تمنح رواتب شبيهة، بجانب اختلاف الظروف المعيشية، وموازنات البحث العلمي، وإمكانية العمل مع شركاء آخرين، مما يتطلب بقاءهم خارج إسرائيل.
هناك معطى مقلق فعلي للاقتصاد الإسرائيلي يتعلق بارتفاع نسبة الأطباء المهاجرين من إسرائيل، مما يعني نقصانا متزايدا من هذا الكادر البشري، مما يعمل على تقليل الطلب على دراسة الطب فيها من جهة، ومن جهة أخرى من يدرسونه في الخارج لا يعودون لإسرائيل فور انتهاء دراستهم.
وفي ظل وجود 33 ألف أكاديمي يعيشون اليوم في إسرائيل، لكن ظاهرة هجرة الأدمغة تتركز في أصحاب الشهادة العلمية الثالثة، ممن صقلوا خبراتهم الأكاديمية فيها، لكنهم لا يفضلون البقاء فيها، حيث يغادرونها لعدة سنوات، ثم يكتشفون أنهم غير قادرين على العودة إليها.
صحيح أن هناك إقرارا إسرائيليا بأننا أمام ظاهرة باتت تؤرق الجهات المسؤولة، ومع ذلك فلم يبذل حتى الآن جهد حقيقي وجدي لاستيعابها، والحد منها، ورغم الخطط الحكومية ورصد الملايين لاستعادة العقول المهاجرة لكن دون جدوى، والنتيجة أن الظاهرة آخذة بالاتساع والتنامي.