فلسطين أون لاين

يعيشون في بيت بالإيجار مسقوف بـ"الزينجو"

"العدس أم المقالي؟" الخلاف المتكرر بين "بدوان" وأطفالها يوميًّا

...
غزة - يحيى اليعقوبي

قد تكون بعض المتطلبات البسيطة التي تستطيع توفيرها أقل الأسر دخلًا حلمًا لعائلة أنهكها الفقر وألقى بأوتاده الثقيلة مفترشًا ومقيدًا كل حياتهم، كما الحال في قطاع غزة، حيث الحصار الذي ألقى بظلاله على كل مجالات الحياة وعطل قطاعات واسعة عن العمل جعل في لحظة العاملين فيها تحت خط الفقر، وأول من يدفع ثمن هذه الظروف هم أطفالهم.

كانت الساعة تشير إلى السادسة والنصف مساءً حينما وصلنا إلى منزل المواطن ميسرة بدوان في مدينة غزة؛ لم نشتم رائحة طهي طعام، ولم نشاهد أفراد الأسرة يتعاونون على إعداد مائدة، فالبيت كان فارغًا، وكانت الزوجة وأطفالها الصغار في خلاف: أتعد لهم العدس أم المقالي؟، وهما طعام العائلة في كثير من أيام شهر رمضان، حتى باتت الأكلات الأكثر كرهًا للأطفال.

أحلام طفولية

في جولة سريعة داخل البيت: مسقوف بـ"الزينجو"، مكون من غرفتين، تحلم ميرفت (9 سنوات) وشقيقتها نسمة (11 عامًا) بمشاهدة الرسوم المتحركة على شاشة التلفاز، إذ تمضي الطفلتان معظم الوقت في اللعب داخل البيت أو خارجه لكسر الملل الذي تشعران به، لم يسبق أن اشترى لهما والداهما منذ إبصارهما الحياة أي لعبة، تتمنى ميرفت أن تتمكن هذه المرة من شراء ملابس للعيد، وكذلك أختها نسمة، وماذا إن لم يستطع والدك شراء الملابس؟، ابتسمت نسمة وهي ترد على سؤالنا السابق ابتسامة ممزوجة بخوف: "حنزعل لأنا بدنا نفرح ونشتري زينا زي غيرنا من الأطفال".

"بدهم يفرحوا، يسمعوا أغاني أطفال، وأغاني العيد" بمجرد أن قالت والدتهما تلك العبارة ابتسمت الطفلتان، وأشارت والدتهما إلى جهاز التلفاز القديم الموجود في إحدى الغرف: "هذا تلفاز قديم، حتى إننا لم نستطع توفير ثمن صحن استقبال فضائي لاستقبال القنوات الفضائية (...) منذ ولادتهم حتى اللحظة لم يشاهد أطفالي رسومًا متحركة أو أغاني أطفال على التلفاز؛ فبصعوبة نستطيع توفير إيجار البيت من بعض التبرعات التي تصل إلينا، وهي شحيحة الآن".

هاتف نقال قديم من نوع "كشاف"، كما يعرفه الناس في غزة، به موجة راديو، هو وسيلة اتصال هذه الأسرة بالعالم لمعرفة ما يجري في الخارج، فلا تملك أي هاتف ذكي، وهكذا يمضي الأطفال الأربعة (ولدان وبنتان) معظم وقتهم في اللعب في البيت، أو مع أبناء الجيران بالخارج.

بعد انتهاء اللعب يعود أبناء الجيران إلى بيوتهم للجلوس على أجهزتهم الهاتفية اللوحية المليئة بالألعاب، وتظل ميرفت وشقيقتها تركضان في الحي حتى تتعبا وتشعرا بالملل.

معاناة قديمة

لم تكن معاناة بدوان وليدة عدة سنوات؛ بل هي نواة تحمله عبء انفصال والديه، حتى تزوج في بيت بالإيجار، ولا يزال منذ عدة سنوات غارقًا في مستنقع الإيجارات، خاصة منذ تعطله عن عمله في مجال البناء قبل ثلاثة أعوام.

"خلال عملي كنت أدفع إيجار البيت وملتزم بتوفير متطلبات البيت الأساسية، لكن الآن تراكمت الديون علينا، حتى أجبرني صاحب المنزل على توقيع كمبيالات مالية لدفع مبلغ مالي من الأشهر الأربعة المتراكمة، فضلًا عن دفع إيجار الشهر الجديد" بهذا يختصر بدوان تأثره بالتعطل عن العمل.

تقاطعه زوجته وحولها أطفالها: "أبنائي صبروا كثيرًا على معاناتنا: ظروف المنزل السيئ، وتكرار إعداد الطعام نفسه (المقالي) أصابهم بالتهابات مستمرة؛ فكل أسبوع أذهب بأحدهم إلى المشفى نتيجة ذلك، أيضًا حالتهم النفسية سيئة".

بين الأطفال و"العدس" حكاية، لكن من نوع مختلف، فبمجرد أن يشتموا رائحته تصيبهم الكآبة، تقول الأم: "أتمنى أن يكون لدي بيت ملك ونخرج من معاناة الإيجار، أو أن تتبنانا إحدى الجهات وتدفع الإيجار وتوفر الطعام وكسوة العيد لأطفالي (..) حينما تدخل علينا 20 شيكلًا أحار فيمَ أصرفها؛ فأضطر إلى الحفاظ عليها؛ وأولادي لم يحصلوا على مصروفهم منذ وقت طويل".

أمام الظروف الصعبة إن استطاعت العائلة شراء كسوة العيد لأطفالها في عيد الفطر؛ فإنها لا تستطيع توفيرها في عيد الأضحى، انتهى اللقاء الساعة السابعة ولمتطهُ "أم محمد" الطعام، ولا نعلم هل ستطهوه أصلًا، على عتبات البيت ودعتنا ميرفت ونسمة بابتسامة محملتين إيانا أمنياتهما الصغيرة، التي تتمنيان أن يتلقفها أحد أولياء الشأن والأمر ليحققها، فهل سيتحقق ما تتمنيانه؟