فلسطين أون لاين

عروس البحر.. مقدسات تصارع من أجل الحياة

إبان النكبة، كل شيء في فلسطين ذبح وشرد، ليس فقط البشر، بل كل ما كان قائمًا على أرضها: بيوتها، ومساجدها، ومقابرها الإسلامية، وآثارها التاريخية، وكل ما يشهد بأن لهذه الأرض أهلًا سكنوها وهُجِّروا منها، حملة شعواء شرسة طالت المساجد على وجه الخصوص، عملوا فيها تهديمًا وتجريفًا، ما يقارب 1200 مسجد هدمت آنذاك، وصودرت كل الأوقاف الإسلامية التي كان تشكل ما يقارب 1/16 من أرض فلسطين التاريخية (حسب إفادة الشيخ رائد صلاح)، ليضمها الاحتلال إلى ما سماه "حارس أملاك الغائبين"، الأملاك التي يتصرف فيها الاحتلال كيف يشاء.

مسجد حسن بيك في يافا

مسجد تاريخي كبير يقف بشموخ على أحد شواطئ مدينة يافا من الشمال في حي المنشية العربي القديم الذي دمر بالكامل بعد الاحتلال، له مئذنة شاهقة استخدمها المجاهدون محطة للقنص خلال دفاعهم عن المدينة ضد الصهاينة المحتلين، بناه حسن بيك بصري جابي الدمشقي، حاكم يافا العسكري التابع للحكم العثماني في إسطنبول قبل سقوط الدولة العثمانية، وقد استخدم المسجد آنذاك موقعًا عسكريًّا للرقابة، بسبب المؤامرات التي يخططها اليهود للدولة العثمانية، ومحاولاتهم الدائبة لتهريب السلاح من البحر من طريق المنشية، فضلًا عن استخدامه للصلاة فيه.

ويظهر فن العمارة العثماني بجلاء في المسجد المبني من الحجر الجيري الأبيض، والنوافذ المزينة في جدرانه بالزجاج الملون، وهو المعلم الوحيد الباقي حتى الآن من حي المنشية.

يمثل المسجد محطة مهمة من الصراع الإسلامي الصهيوني، الذي ما زال أواره مستعرًا حتى الآن، فقد أغلقه الصهاينة ومنعوا استعماله منذ بداية الاحتلال، وحاولوا هدمه مرات عدة. وأصدروا قرارات عدة لتسوية المسجد بالأرض، وكانت حجتهم دائمًا هي التطوير، ولكن عواصف الاحتجاجات والغضب الشعبية للمسلمين في مناطق الــ48 أوقفت تنفيذ قرارات الهدم العنصرية، وأعادت المسجد لإدارة المسلمين الذين هبُّوا لرأب التصدعات التي ظهرت في جدران المسجد، وأعادوا بناء مئذنته التاريخية العالية الارتفاع، التي تهدمت بفعل تفجير صهيوني للمسجد في جوف الليل.

حاول الاحتلال بيعه لثري صهيوني شغل أخوه منصب رئيس الحكومة الصهيونية، لتحويل أرضه إلى مركز تجاري، بموجب اتفاقية مزورة، ولكن انكشاف الصفقة حال دون إتمامها، وحدث مع كثير من المساجد الأخرى أن أزيلت من الوجود أو حولت لنواد ليلية وخمارات وكُنُس يهودية وحظائر أبقار "إمعانًا في التدنيس"، مثل: جامع السبيل وجامع المحمودية في حي المنشية أيضًا، بعد بيعها بحجة أنها تتبع الآن لأملاك الغائبين (الأملاك الوقفية سابقًا) وليس لها مالك الآن، ومن الاعتداءات التي طالته أيضًا إحراقه مرتين على أيدي يهود متشددين، ومرات أخرى هشموا زجاج نوافذه، وحطموا محتوياته، وألقوا بزجاجات حارقة وحجارة داخله، وكرروا إلقاء رأس خنزير داخله لاستفزاز المسلمين وتدنيس مقدساتهم، وكتبوا عبارات بذيئة وعنصرية على جدرانه.

وما زال مسجد حسن بيك صامدًا في وجه المعتدين يحفُّ به أبناؤه، يقاوم بقوة ليبقى شامخًا رغم أنف الصهاينة المعتدين.