بصورة مفاجئة، ومتزامنة، تناولت عدد من وسائل الإعلام الإسرائيلية الحديث عن فرضية الانسحاب من بعض أجزاء الضفة الغربية، أو الإعلان عن ضم أجزاء أخرى، تحضيرا لإعلان صفقة القرن في قادم الأيام، وكعادتهم، لم يجمع الإسرائيليون على رأي واحد، بين مؤيد للانسحاب منها، لا سيما المناطق المكتظة بالفلسطينيين، أو ضم كبرى المستوطنات.
لكن القاسم المشترك بين الآراء الإسرائيلية على اختلاف تقديراتها وأسبابها، أن الوضع الأمني غير المستقر في الشرق الأوسط يتطلب من إسرائيل أن تنشئ حدودًا آمنة لها؛ لأن المنطقة حبلى دائما بتطورات سيئة غير متوقعة، كما حصل في الثورات العربية أواخر 2010 وأوائل 2011.
الحدود الآمنة المزعومة المرتبطة بالتمسك بالضفة الغربية، توفر دفاعا بعيد المدى في منطقة تعج بالفلسطينيين والعرب، بحيث توفر هذه الحدود المتناسبة مع الواقع الشرق أوسطي، إجابات فورية وسريعة أمام أي هجمات غير متوقعة، سواء من جيش نظامي أو منظمات مسلحة، وقد تكون هذه الحدود بهدف توفير الردع أمام أعداء إسرائيل الذين يتربصون بها في هذه المنطقة.
هذه الحدود الآمنة تستند إلى فرضية مفادها أن التفوق التكنولوجي الإسرائيلي قد لا يصمد طويلا، وربما يتراجع، لكن التفوق الطبوغرافي الميداني هو الدائم والأبدي، ويستطيع استيعاب أي اجتياح خارجي، والتصدي له، ويوفر الوقت اللازم لتجنيد الاحتياط في الجيش الإسرائيلي.
كما أن هذه الحدود الإسرائيلية الآمنة توفر الردع والإنذار، وتمنح إسرائيل الاحتفاظ بكنز أمني، وليس عبئا عليها، وإمكانية الدفاع عن نفسها دون الحاجة للاستعانة بجيش أجنبي، في حين أن غياب هذه الحدود الآمنة يمنح الفلسطينيين والعرب فرصة لتنفيذ هجماتهم ضد إسرائيل.
تبدي خارطة الاحتياجات الأمنية الإسرائيلية اعتمادا على الاحتفاظ والسيطرة على تلال ومرتفعات الضفة الغربية، التي تمنحها حدودا آمنة، لأن هذه التضاريس المرتفعة تتحكم في مناطق وسط إسرائيل الضيقة، وتجعلها قادرة على تقطيع أوصالها إلى منطقتين منعزلتين.
كما أن الضفة الغربية تمنح الجهات المعادية لإسرائيل تفوقا نوعيا للعمليات المسلحة ضدها، ما يتطلب من الأخيرة السيطرة عليها، كي تقلص إلى حد بعيد قدرة المنظمات المسلحة على تنفيذ هجمات معادية ضد إسرائيل.
أكثر من ذلك، لا تتردد الأوساط الإسرائيلية في التصريح أن الضفة الغربية هي الكنز الدفاعي الأول عنها، وهي حاجز طبيعي جغرافي يقف أمام أي اجتياح بري من جهة الشرق، مما يتطلب من إسرائيل العمل على الاحتفاظ بها لصد أي هجوم يستهدف عمقها الجغرافي.
ما يعزز فرضية التمسك الإسرائيلي بالضفة الغربية، أن الانسحاب منها يعني أن ثلثي الإسرائيليين وثلاثة أرباعهم سيكونون موجودين في قطاع ضيق بين الضفة الغربية والبحر المتوسط، وعليه فإن انسحاب إسرائيل منها سيجعل القدس وتل أبيب ومطار بن غوريون والسهل الساحلي بأسره مكشوفا أمام الفلسطينيين.