لمن لا يعرف «يسرائيل بار»، هو يهودي روسي استطاعت الحركة الصهيونية إقناعه بالهجرة إلى فلسطين عام 1946، وذلك في سعيها لإنشاء دولتها على أرضنا بمساعدة سلطات الانتداب البريطاني على فلسطين. استطاعت المخابرات السوفييتية آنذاك تجنيده عميلاً لها! في تلك المرحلة ساعد ستالين الهجرة اليهودية إلى فلسطين لأسباب ادّعاها بأن اليهود سيبنون دولتهم بملامح اشتراكية! ناسياً أو متناسياً، مدركاً أو متجاهلاً لحقيقة الصهيونية كحركة عنصرية رجعية شوفينية متماهية في تحالف آثم مع الاستعمار، ومتجاهلاً المشروع الاغتصابي لفلسطين وتشريد شعبها، في مخالفة واضحة لآراء آباء الماركسية: ماركس وإنجلز ولينين حول اليهودية والصهيونية، لأنهم يعتبرون أن فكرة الأمة اليهودية هي فكرة رجعية المحتوى، وأن اليهود عاشوا بفضل التاريخ لا رغماً عنه، وأن حل قضية اليهود هو بانصهارهم في المجتمعات التي يعيشون بين ظهرانيها.
في تلك الأثناء عقد مؤتمر يالطا بين ستالين وروزفلت وتشرشل،وتم اقتسام النفوذ في العالم. واعترف أندريه جروميكو (مندوب الاتحاد السوفييتي آنذاك في الأمم المتحدة) بإعلان «إسرائيل»، وكان الاتحاد السوفييتي أول من اعترف بها. قيل الكثير فيما بعد، لتبرير هذه الخطوة الاعترافية الخاطئة، الظالمة والبعيدة بعد السماء عن الأرض عن مبادئ العدالة والقانون الدولي. التبريرات السوفييتية في الاعتراف ليست أكثر من هراء وخواء أيديولوجي باهت ومقيت وديماغوجيا كلامية.
بالعودة إلى المدعو بار، فالذي نظّمه من رجالات الكي. جي. بي، إما صهيوني، وإما غبي، فواقع الأمر أنه انقلب على منظميه «الأشاوس» وأصبح من عتاة الصهيونية، حارب في عصابات الإرهاب (الأرغون)، وعند تشكيل تساهال (الجيش) من أعضائها، تم تعيينه رئيساً لقسم العمليات في الجيش، وترأس وحدة التخطيط فيها( أهم الأقسام)، ثم أصبح نائباً لرئيس هيئة الأركان. عمل عدة سنوات، ثم أنيطت به مهمة كتابة ما يسميه الصهاينة ب (تاريخ حرب «الاستقلال»)، وبالفعل أصدر ثلاثة أجزاء، ترجمت إلى العربية في بداية الستينات. وكتب لعشرات السنين في صحيفة «هآرتس».
إمعاناً في التزييف، وفي أعقاب فضيحة نشرها صحفيين «إسرائيليين» عدة حول علاقة بار ب«الكي جي بي» أواسط الستينات اضطر ليفي أشكول إلى سجنه، ولم يمكث فيه طويلاً بسبب الشيخوخة، مع العلم أنه وفقاً لبعض الصحفيين، بمجرد هجرة بار إلى فلسطين أبلغ مسؤوليه عن مهمته السوفييتية، وأبلغوه بأن يعمل بشكل مزدوج. بالتالي، فإن سجنه ( وقيل إنه سجن في ظروف فندق 5 نجوم) استعمل للتغطية على المقولة الزائفة: «الحرص الإسرائيلي».
هذا الكاتب اليهودي يكتب الأحداث بطريقة لم يسبقه إليها أحد ويقارن في مقالة قديمة نشرها وأعادت طباعتها «هآرتس» قبل أسبوع، بين اليهودي الفولاذي «السوبرماني» والعربي الضعيف والجاهل والغبي. فمثلا يقول: «یوم 15 أیار(مايو) هو يوم ولادة دولة «إسرائيل» وبداية المرحلة الثانية من حرب الاستقلال، وهو اليوم الذي غزتها فيه الجيوش العربية. لقد نجحت «إسرائيل» الفتية في الانتصار فيها. إن إنجازات قيادتنا العليا لم تكن بالصدفة، انتصارنا في حرب التحرير كان انتصاراً لنظام اجتماعي متقدم على نظام اجتماعي متأخر.. إنه انتصار الجندي الذي يضحي بنفسه من أجل حريته(!) ضد الجندي المرتزق أو الجندي الذي جند رغم أنفه ولا يعرف لماذا وعلى ماذا يقاتل «..ويضيف» مثلما كان فوز القيادة التكتيكية المؤهلة والموجهة بشكل أساسي على قيادة تكتيكية فاشلة، هكذا كان أيضاً انتصار التفكير العملي الصحيح على التفكير العشوائي الهمجي.
ويواصل، لم یكن أيضاً تفكيرنا العملي عددا من الصدف، بل سيل من الإبداعات الناجحة المنغرسة في نفوس ثابتة. «وعلى هذه الشاكلة يستمّر هذا الصهيوني المضلّل».
في الكيان يتعاملون مع بار كمؤرخ! لكنه بعيد عن التأريخ بعد السماء عن الأرض، يفترض فيما قاله: إن دولة الكيان متشكلة منذ آلاف السنوات، وقد ارتكب الفلسطينيون والعرب اعتداءات عليها وردّتها «إسرائيل». لا يتطرق مطلقاً إلى المساندة البريطانية للمنظمات الإرهابية اليهودية في مذابحها وتسليحها، والقيام بعمليات مشتركة معها، ولا إلى قمع بريطانيا للفلسطينيين والعرب، وصولاً إلى إعدام كل من يثبت أنه حمل مسدساً أو شارك في عملية مقاومة. لم يتطرق هذا الكاتب إلى الثورات والانتفاضات الفلسطينية العربية المتعددة، ولا إلى المقاومة الفلسطينية الباسلة. لم يكتب عن التهجير القسري ل 760 ألفاً من الفلسطينيين. لم يكتب أن بريطانيا تركت ل «إسرائيل» كل أسلحتها و120 طائرة كانت تملكها في فلسطين! لم يكتب عن المذابح ضد الفلسطينيين ولا التطهير العرقي الذي كتب عنه المؤرخ اليهودي إيلان بابيه، ولا عن«اختراع شعب «إسرائيل»»، ولا عن «اختراع أرض إسرائيل» وهما ما كتبهما شلومو ساند... إلخ.
.. بار مضلل صهيوني مبتذل.