فلسطين أون لاين

حكايات على "قارعة الطريق" في غزة

...
غزة/ نبيل سنونو:

تتعدد الحكايات بين البشر، وتختلط المشاعر في كل منها عندما تمس جوهر وجودهم المتمثل في "الإنسانية"، التي يعزز الصيام قيمها في شهر رمضان كل عام.

في غزة، كما كل مكان في العالم، تدور ألف حكاية وحكاية داخل كل إنسان، سواء أكان طبيبًا أم مهندسًا أم بائعًا أم غير ذلك، ويترجمها إلى أفعال تؤثر في الآخرين.

مبادرة

"حب لأخيك ما تحب لنفسك، أخي الحبيب ضع في السلة ما تيسر من خضار أو مواد غذائية لسد حاجات عوائل مستورة في داخل الشارع"؛ هذه الكلمات كتبها أحدهم على لافتة معلقة على جدار شارع في حي الشجاعية شرق غزة.

وأسفل اللافتة خصص صاحب المبادرة عددًا من السلال التي يتسنى للمتبرعين وضع ما تيسر من الخضار أو الأغذية فيها ليستفيد منها أصحاب الحاجة، وعندما امتلأت تلك السلال لجأ بعض المواطنين إلى ترك تبرعاتهم إلى جانب الجدار.

ولقيت هذه المبادرة إعجاب النشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي، الذين تداولوا الصور الخاصة بها وأشاروا إلى أنها لا تثقل كاهل المتبرع ماديًّا، لأن بإمكانه تخصيص جزء يسير مما اشتراه لأهل بيته لهذا الغرض.

وبدا أن ذلك مثل دافعًا وإلهامًا لكثيرين إلى السير على خطى المتبرعين، الذين يعززون بذلك قيم التكافل الاجتماعي، ونشر ثقافتها بين أبناء الشعب الواحد.

دموع ساخنة

خلف بسطة لبيع بعض المستلزمات البيتية اتخذ مسن موقعه، أملًا في بيع ما يمكنه من سد رمق الحياة ودفع إيجار منزله.

وكان الرجل مرنًا في تعامله، دون أن يبدي أي مانع لتصويره من أي صحفي بصفته أنموذجًا ملهمًا لغيره ممن لا يخوضون غمار العمل، وهو مسن مكافح يسعى إلى قوت يومه.

خيّم الصمت على المشهد، ولم يكد يتحدث سوى حرارة الشمس التي كانت أشعتها مسلطة على رأسه وتزيد شيب شعره لمعانًا وبريقًا.

لكن ما طغى على حرارة الشمس كانت حرارة الدموع التي انهالت من عينيه وهو يشير بيديه إلى قطعة أرض مقابلة لبسطته، قائلاً: "كان لي في هذه الأرض ما يقدر بنصف مليون دولار".

وبحسب ما ذكر المسن الذي لم يفصح كثيرًا عن تفاصيل الواقعة، إنه وقّع بيع حصته في الأرض في سبيل تقاضي ثمنها بعد ذلك، لكن مَن اتفق معه على تسديد الثمن تخلف عن الاتفاق، ولم يترك له سوى مواجهة مصيره.

لا شيء الآن يخفف اللهيب الذي أبداه إلا سعيه الحثيث إلى عدم مد يده لأي إنسان طلبًا للمساعدة، ويقينه بأن حقه لن يضيع سدى.

وهو يوجه رسالة لمن يقول إنه ظلمه: "لقد كنت شاذًّا عن طبيعة أهل غزة الذين يتعاملون بالعدل ويرفضون الظلم، وآن الأوان أن تراجع نفسك وتوقظ ضميرك، لاسيما في شهر رمضان الذي يمثل فرصة ملائمة لذلك".