تزداد القناعات الإسرائيلية يوماً بعد يوم، وتجد طريقها للنشر عبر مقالات أو تصريحات أو تغريدات، بأن السياسة الإسرائيلية تجاه غزة لم تثبت نجاحها خلال السنوات الماضية، الأمر الذي يحتاج من إسرائيل الشروع في استراتيجية جراحية تستند على ترميم البنى التحتية في قطاع غزة، حتى لو تخللها مخاطرة أن تستخدمها حماس لأغراض عسكرية.
ترتفع أصوات الإسرائيليين المطالبين بضرورة أن تذهب إسرائيل إلى ترتيبات مع قطاع غزة، لأن هذه التسوية تخدم المصلحة الإسرائيلية، وتمهد الطريق نحو إحداث اختراق جدي يشمل بالضرورة تحسينا جوهريا في مستوى الظروف المعيشية لسكان غزة.
تنطلق هذه القناعات التي يمكن تصنيفها تحت مسمى "الاعترافات" من تشريح السياسة الإسرائيلية تجاه غزة التي قامت خلال السنوات الأخيرة قامت على الحصار والإغلاق، مما أضعف السكان المدنيين، وكان دافع هذه السياسة التي نفذتها إسرائيل وأطراف فلسطينية وعربية ودولية، على أمل أن ينتفض الفلسطينيون في غزة ضد حماس، لكن هذه السياسة الإسرائيلية فشلت.
كما أن جولات المواجهات العسكرية بين حين وآخر التي تنشب في غزة بين الفلسطينيين وإسرائيل، لا تؤدي لإحداث تحول مرجو إسرائيليا، لأنها ببساطة لا تستطيع فيها إسرائيل أن تعلن انتصارها، سواء بالضربة القاضية أو بالنقاط.
وقد تطلبت آخر جولة مواجهة أوائل أيار/مايو الجاري، من إسرائيل إحداث تغيير جوهري في استراتيجيتها تجاه غزة، من خلال الشروع في عملية لتحسين الأوضاع الاقتصادية في غزة، قد تشمل إقامة ميناء بحري ومطار جوي ومحطة تحلية مياه، وغيرها من المشاريع الحيوية.
في هذه الحالة، كلما شهدت غزة المزيد من المشاريع الاقتصادية، كان لدى الفلسطينيين ما يخسرونه في أي مواجهة مع إسرائيل، وبدلا من بقاء غزة بؤرة من اليأس والإحباط، فإنها ستتحول مع مرور الوقت واحة للأمل والتفاؤل.
لم تتولد هذه القناعات الإسرائيلية فجأة، ولم تنزل عليهم من السماء، بل لأنهم أيقنوا أخيرا أنه لا حلول سحرية لمشكلة غزة، لأن جيش الاحتلال سيبقى أمام حصر دوري لجولات المواجهات العسكرية، وفي نهاية كل جولة سينتظر الجانبان اندلاع الجولة القادمة، مما يتطلب كسر هذه العجلة المغلقة، وإلا فسيدفعان المزيد من الأثمان بين كل جولة وأخرى.
لا يتورع الإسرائيليون عن الاعتراف، رغم ضجيج الأصوات المتطرفة والدموية، بأنه ليس هناك من حل عسكري لمشكلة غزة، فقد اغتال جيش الاحتلال قادة الفصائل، ودمر مناطق سكنية كاملة في غزة، وكل المخططات التي أعدها، ستعود به للنقطة ذاتها التي يجد نفسه فيها اليوم، حتى سيناريو إعادة احتلال القطاع لن يحل المشكلة.