عنوان المقال لحدث كان يجب أن يكون صادما ومستفزا ومرفوضا، لكنه لم يكن كذلك، لأن عتاة المستوطنين القتلة حلوا ضيوفاً على مدينة الخليل، وتناولوا إفطارا رمضانياً بدعوة من فلسطينيين ينادون علناً للتطبيع مع إسرائيل.
هذا الإفطار الرمضاني للمستوطنين الإسرائيليين امتداد لما شهدته خليل الرحمن مؤخرا من إعلان عن انطلاق حزب جديد باسم "الإصلاح والتنمية"، الذي يدعو لإنعاش الوضع الاقتصادي للفلسطينيين، والتعاون مع الإسرائيليين، وفتح الحوار مع المؤسّسات الإسرائيليّة، وإدانة "الإرهاب"، نعم الإرهاب، تخيلوا!
تتكوّن الهيئة التأسيسيّة للحزب من شخصيات معروفة للفلسطينيين بعلاقاتهم العلنية مع الإسرائيليين والأمريكيين، مما دفع أوساطا فلسطينية للتحذير من التعاطي مع الحزب، والتعهّد بمحاسبة منظّميه والمشاركين فيه، لأنّهم خارجون عن الصفّ الوطنيّ، ويتساوقون مع إسرائيل، واعتبر البعض الحزب جزءا من السياسة الإسرائيلية لتفريخ منظمات غلافها فلسطيني ومضمونها صهيوني.
صحيح أن التقديرات الفلسطينية تذهب باتجاه أنّ الحزب لن ينجح، لأنّه يفتقر لقواعد تنظيميّة وشعبيّة، وتجربته السياسيّة ميتة قبل أن تنشأ، لكنه يأتي ضمن المحاولات الإسرائيلية الأمريكية لإيجاد بدائل عن القيادات الفلسطينيّة.
يجاهر قادة الحزب الجديد باتصالاتهم الإسرائيلية الأمريكية بزعم عدم وجود قرار فلسطينيّ بوقفها، ولا يتورعون عن الدعوة للعيش بسلام مع اليهود، ويقبلون بفرض إسرائيل لسيادتها على الضفّة، ويريدون المشاركة في الانتخابات الإسرائيليّة، والسعي لإقامة دولة واحدة يعيش فيها الإسرائيليون والفلسطينيون.
مؤسسو الحزب شخصيّات معزولة، لا نسمع بهم إلاّ في الإعلام الإسرائيليّ، وربّما يستخدمون كأداة إسرائيليّة أميركيّة لجسّ نبض الفلسطينيّين تجاه المشاريع السياسيّة المقبلة، ودأبوا على المشاركة بمؤتمرات وفعاليات اقتصاديّة وسياسية برعاية أميركيّة رسمية، وحضور رجال أعمال من المستوطنين الإسرائيليّين، ووزراء من اليمين المتطرف.
يتفق الفلسطينيون أن تجربة الحزب الجديد محاكاة لروابط القرى، فقادته يتعاونون مع المستوطنين، ويتركّز خطابهم على تحسين الظروف المعيشيّة، ورغم أنّ قادته من متوسّطي الحال اقتصاديّاً، لكنّهم قد يحصلون على دعم أميركيّ إسرائيليّ، لأنّهم مستعدّون للجلوس مع الإسرائيليّين والأميركيّين ودول الرباعيّة، تمهيدا لربط مصير الفلسطينيّين بالإسرائيليّين، وقد يدعون في الأشهر المقبلة للقاء الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب.
جاءت بداية الحزب مشوهة جدا، بتنظيم إفطار رمضاني للمستوطنين الإسرائيليين، رغم أنه يعتبر تحسين الظروف الاقتصادية للفلسطينيين أولوية متقدمة على البعد الوطني، محاولاً إيجاد حلول لمشاكلهم المعيشيّة، بعيداً عن المسار السياسيّ، بالتعاون مع الإسرائيليّين والأميركيّين، ورغم معاداته من السلطة الفلسطينيّة، لكن السؤال مشروع حول عجزها عن منع الحزب من استمراره بالتواصل مع الإسرائيليين، واستضافته لمستوطنين إرهابيين داخل مدينة الخليل!