71 سنة على نكبة خلفها الانتداب البريطاني الذي منح ما لا يملك لمن لا يستحق، لكن الشعب الفلسطيني، صاحب أرض فلسطين الأصلي، لا يزال يقاوم ويؤكد: العودة آتية.
كانت مسألة التخلص من سكان فلسطين الأصليين المعروفة باسم التهجير العرقي إحدى العقائد الراسخة للحركة الصهيونية، وقد أوضح يوسف فايتز رئيس لجنة الترحيل والمسؤول الأساس عن عمليات مصادرة الأراضي، هذه الفكرة بكلمات لا لبس فيها، عندما اقترح سنة 1940 خطة للتهجير العرقي قائلا: "الحل الوحيد هو ترحيل العرب من هنا إلى الدول العربية المجاورة. علينا ألا نترك قرية واحدة ولا عشيرة واحدة".
أنماط عدة لذلك التهجير العرقي، الذي خلف ملايين اللاجئين الفلسطينيين، تسردها صحيفة "فلسطين" استنادا لما ورد في أطلس فلسطين لعراب حق العودة د.سلمان أبو ستة، في وقت يؤكد خبير في القانون الدولي أن الجرائم التي ارتكبتها العصابات الصهيونية منذ 71 سنة لا تسقط بالتقادم.
وُضعت خطة ""Dalet بهدف "احتلال... طرد" الشعب الفلسطيني، وكانت العقيدة التي ينادي بها بن ديفيد غوريون الذي تولى رئاسة الوكالة اليهودية، تقول: إن تدمير فلسطين وشعبها وثقافته ومعالمه المادية هو شرط مسبق لإنشاء (إسرائيل) على أنقاضها".
واتخذت عملية التهجير العرقي الممنهجة للشعب الفلسطيني سنة 1948، الأشكال التالية: خطط عسكرية تهدف إلى الغزو والاستيلاء على الأرض "وتوطين" المهاجرين اليهود فيها؛ والتخلص من الوجود الفعلي للاجئين الفلسطينيين عن طريق الطرح والمذابح وقتل العائدين منهم والقيام بأعمال السرقة والنهب وتدمير القرى وشن حملة سياسية هدفها تبرير إنكار حق اللاجئين بالعودة واختلاق شبكة قانونية زائفة لتبرير مصادرة أملاك الفلسطينيين الواسعة وفي نفس الوقت جلب المهاجرين اليهود للحلول محل الفلسطينيين.
وأعد المسؤولون الصهاينة منذ يناير 1948 أي قبل ثلاثة شهور من الغزو الصهيوني الخطط الرامية "لتوطين" 1.5 مليون مهاجر جديد إضافة لليهود الموجودين آنذاك البالغ عددهم 600 ألف يهودي.
ويلاحظ هنا أنه خلال العمليات العسكرية اليهودية التي تلت إعلان الأمم المتحدة قرار التقسيم في نوفمبر 1947 وقبل انتهاء الانتداب البريطاني كان قد تم طرد أكر من نصف اللاجئين الفلسطينيين، وكانت وكالات الاستيطان على رأسها الصندوق القومي اليهودي تدبر العمليات العسكرية بحيث تتمكن من الحصول على الأراضي المرغوبة، كقرى إندور، وقوميا، معلول، مجيدل، البطيمات في الجليل، التي تم تدميرها أساسا لاغتصاب أراضيها.
وكانت كل عملية من العمليات العسكرية الصهيونية تترافق بمذبحة أو بمذبحتين يذهب ضحيتها المدنيون، وهناك ما لا يقل عن 77 مذبحة موثقة.
وكان نمط الطرد متساوقا في كل مكان من فلسطين، لا يختلف باختلاف المنطقة أو التاريخ أو الكتيبة التي هاجمت القرية، وقد أكدت معظم الأبحاث الرصينة وجميع الشهادات الشفهية التي أفاد بها اللاجئون في مختلف الأوقات والمناطق وفلسطين تكرار نفس النمط.
وبعد الهجوم على القرية واحتلالها سواء أقاومت أم لا كانت العصابات الصهيونية تفرض عليها منع التجول، وأحيانا تغادر القوة المهاجمة وتأتي قوة أخرى للسيطرة.
تفاصيل الجرائم
وفي وقت لاحق، وغالبا في الصباح التالي، كانت تلك العصابات تجمع القرويين في ساحة القرية الرئيسة أو في حقل مجاور في مجموعتين منفصلتين: الرجال ضمن الأعمار 15-50 عاما، والنساء والأطفال والمسنون.
ويحيط الجنود الصهاينة بالقرية من ثلاثة اتجاهات تاركين الاتجاه الرابع مفتوحا للهرب أو للطرد، وكانت الفتحة المتروكة باتجاه لبنان وسوريا في منطقة الجليل، وباتجاه الضفة الغربية والأردن في وسط فلسطين، وباتجاه غزة ومصر في الجنوب. وتعمدت العصابات الصهيونية تجريد النساء من حليهن ومقتنياتهن الثمينة ومن ثم يؤمرن بالسير باتجاه الفتحة أو البوابة دون الالتفات إلى الخلف، وكانت النيران تُطلق فوق رؤوسهن لحثهن على الإسراع في الهرب وقد ذكر بعضهم حدوث حالات اغتصاب واستعباد وقتل.
أما الرجال فكانت العصابات الصهيونية توقفهم في صف ليستعرضهم رجل مغطى الرأس، وغالبا ما كانت تأخذ مجموعات مؤلفة من أربع شبان وتأمرهم بحفر قبورهم ومن ثم تُطلق النار عليهم وترميهم في الحفر.
"فصل الجنود الرجال عن النساء، ووضعوا كلا من المجموعتين في مكان منفصل، على مسافة 50 ياردة من حفرة القتل.. جرد الجنود ضحاياهم من أية مقتنيات ثمينة كانت بحوزتهم.. ويتذكر أحد الشهود مشهد أولئك الرجال الأسرى بوضوح، كان معظمهم مجردين من الثياب حتى الخصر، وقد استلقوا على التراب لساعات تحت أشعة الشمس الحارة التي سببت لهم حروقا".
"وبعد أن جُردوا من ثيابهم كان عليهم أن ينبطحوا على الأرض في مكان ضيق دون أن يُسمح لهم بالحراك، وعندما كان يحين وقت القتل كان الجنود يقفون صفين متقابلين يمتدان بين الأرض المخصصة للقتل وبين موقع القتل نفسه، ومن ثم كانت تُجبر مجموعات متتالية يتراوح عددها ما بين 15-20 رجلا على الركض بين صفي الجنود إلى حفرة موقع القتل، بينما يقوم الجنود بالصراخ عليهم وبضربهم بأعقاب البنادق أثناء مرورهم".
وفي حين كانت النساء والأطفال يهيمون في الأحراش أو في الحقول أو التلال الصخرية أو على شاطئ البحر دون طعام أو مأوى كان الرجال يُساقون إلى معسكرات السُخرة، حيث يعذبون وتُطلق عليهم النار ويقتلون لدى أول بادرة عصيان، كما كانوا يُجبرون على خدمة المجهود العسكري الإسرائيلي كحفر الخنادق ونقل الذخيرة وصناعة لوازم الحرب كشبكات التمويه كما كان الرجال يُسخرون لنقل الممتلكات التي تم نهبها من البيوت العربية ولدفن الشهداء الفلسطينيين ورفع الركام من المنازل الفلسطينية المدمرة.
وتشير التقديرات إلى أن حوالي 25 ألف مدني فلسطيني تقريبا قد جمعتهم واحتجزتهم العصابات الصهيونية في معسكرات السخرة لفترات تراوحت بين 10 أشهر وبين عامين ولم يحصل هؤلاء على تعويضات تذكر كما لم تلق محنتهم أي اهتمام إعلامي.
وكان اللاجئون الذين يجرؤون على العودة إلى بيوتهم أو حقولهم يتعرضون لإطلاق النار عليهم فورا وإذا تمكنوا من الاختفاء عن الأنظار كانوا يلقون مصرعهم بواسطة الأفخاخ الملغومة التي زرعتها العصابات الصهيونية قرب منازلهم أو آبارهم أو مضخاتهم أو متاجرهم أو في أي مكان يحتمل أن يعودوا إليه.
وأنشأت الأمم المتحدة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين أونروا في قرارها 302 في الثامن من ديسمبر 1949 لفترة ثلاث سنوات قابلة للتجديد.
وماتزال أونروا موجودة حتى الآن بسبب رفض (إسرائيل) عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم. وتحتفظ أونروا بسجلات لكل لاجئ: اسم رب العائلة، قريته الأصلية، تاريخ ميلاده، والمعلومات ذاتها لك لفرد من أفراد عائلته، نوع القرابة، والجنس والدين. ومازال لاجئو سنة 1948 يشكلون أكبر مجموعة من اللاجئين في عالمنا المعاصر وأقدمها وأكثرها أهمية سياسية ولكن يوجد عدد آخر من الفلسطينيين يطلق عليهم اسم "النازحين" تم تهجيرهم بعد سنة 1967، يصل عدد هؤلاء النازحين إلى 1.900.000 نسمة، ويلاحظ أن هناك أكثر من 345.000 شخص من اللاجئين الفلسطينيين شردوا من ديارهم سنة 1948 ظلوا داخل فلسطين المحتلة منذ ذلك التاريخ. ويقدر عدد اللاجئين المسجلين منذ 1948 حتى 1950 بما لا يقل عن 914.000، وغير المسجلين في نفس الفترة بـ257.021، بينما يقدر عدد المسجلين منذ 1948 حتى 2005 بما لا يقل عن 4.394.946، وغير المسجلين بـ1.927.574في الفترة ذاتها.
وتشير سجلات وكالة الغوث (الأونروا) إلى أن عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لديها في عام 2017 نحو 5.9 مليون لاجئ وهذه الارقام تمثل الحد الادنى لعدد اللاجئين الفلسطينيين، وقد شكل اللاجئون الفلسطينيون المقيمون في الضفة الغربية والمسجلون لدى وكالة الغوث في العام 2017 ما نسبته 17.0% من إجمالي اللاجئين المسجلين لدى وكالة الغوث مقابل 24.4% في قطاع غزة.
أما على مستوى الدول العربية- بحسب سجلات أونروا أيضًا- فقد بلغت نسبة اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى وكالة الغوث في الأردن 39.0% من إجمالي اللاجئين الفلسطينيين في حين بلغت النسبة في لبنان 9.1% وفي سوريا 10.5%.
محكمة جنائية
من جهته يؤكد الخبير في القانون الدولي د. عبد الكريم شبير أن المجازر التي اقترفتها العصابات الصهيونية إبان النكبة لا تسقط بالتقادم.
ويذكر شبير في حديث مع صحيفة "فلسطين" أن قرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، قرر وجوب السماح بالعودة في أقرب وقت ممكن للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكاتهم وعن كل مفقود أو مصاب بضرر.
ويوضح أن بإمكان اللجنة الوطنية العليا للمتابعة مع المحكمة الجنائية الدولية تقديم خطة عملية ومهنية وقضائية وحقوقية لتقديم الجرائم التي ارتكبتها العصابات الصهيونية للقضاء الدولي.
ويبين أنه حتى اللاجئين الذين استشهدوا أو توفوا فإن لهم ورثة من حقهم مقاضاة قادة الاحتلال لتطبيق قرار 194.
ويفيد شبير بأنه يمكن تقديم ملفات تلك الجرائم لقضاء الدول الذي له ولايات دولية، كما يمكن "للاتحاد من أجل السلم" المكون من غالبية أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة إنشاء محكمة جنائية خاصة لملاحقي مرتكبي جرائم الحرب والشروع في ذلك من خلال جامعة الدول العربية بطلب من فلسطين.