كثيرةٌ هي التساؤلات التي تظّل كعقارب الساعة تحوم في دماغ العلماء حول قضية ما, إلى أن يُثبتها علميًا بالحقائق الدامغة, وقد تشغل من وقته سنوات, وليس غريبًا أن تكون تلك الحقائق مهما كان مكتشفها مردُّها القرآن الكريم والسنة النبوية, فخالق هذا الكون والذي يعلم سره وكيف يجرى هو الله.
هذا التوافق بين المكتشفات الحديثة للسنن الإلهية وبين ما أشار إليه القرآن الكريم, يُسمى "الإعجاز العلمي", فكثيرٌ من المُكتشفات العصرية التي حدثت في عصرنا كانت مجهولة في عصر النبوة, لكن توجد إشارات وتلميحات في داخل القرآن الكريم إلى مثل هذه القضايا.
د. صحبي اليازجي أستاذ القرآن الكريم في الجامعة الإسلامية يقول: "القرآن الكريم ترك أثرًا في تصورات الإنسان وفكره ومعتقداته ولم يدع جانبًا من جوانب الحياة إلا وتناولها بالبيان لهذا؛ فللقرآن الكريم أثر على المستوى اللغوي والبلاغي والإعجاز بالغيب والمغيبات والإعجاز العلمي والتأثيري".
ويُوضح في حديث مع فلسطين, أن العلماء اختلفوا في قضية الإعجاز العلمي منهم من رفضها بحجة أن القرآن كتاب هداية وإرشاد ولا يمكن وصفه بأنه كتاب علمي أو ما يُسمى بالكونيات العلمية, والبعض الآخر يؤيد الإعجاز العلمي في القرآن.
وتابع :"نحن نقول إن الإعجاز العلمي له شروط وضوابط وهي عدم الإفراط والتفريط بالقضية, فالإشارات العلمية في الإسلام هي إشارات وليست اكتشافات, ويجب الاعتماد على الحقائق العلمية وليس النظرية العلمية, بمعنى الكثير من العلماء اعتمدوا في النظريات العلمية على الكثير من التفسيرات فأخطؤوا".
والقرآن الكريم لا يشرح الحقائق العلمية إنما يُشير بإشارات مع مرور الوقت تُثبت الدراسات العلمية صحة ما جاء في تلك الإشارات, أردف عن ذلك د. اليازجي: "القرآن الكريم لمّح عن الكثير من الدلائل الكونية, وحين نتحدث مع الغرب عن ذلك نعتمد على الحقائق العلمية والكثير من علماء الغرب أسلموا بناءً على ذلك, أما المسلمون فدائمًا تجدهم يفتشون عن الحقيقة في كتاب ربهم، ويردون أي شيء إلى الله ورسوله، فالقرآن هو الميزان وهو القول الفصل، وكل ما يتفق مع الكتاب والسنة أخذوا به مهما كان أصله، وكل ما يتعارض مع الكتاب والسنة رفضوه مهما كان مصدره"
نماذج للتوافق
واستعرضنا مع د. اليازجي بعض الاكتشافات العلمية التي حملت إشارات علمية سواءً في كتاب الله أو سنة نبيه من تلك الحقائق قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاراه فإنه لا يدري ما خلفه عليه".
وهذه من السنن النبوية المهجورة التي يغفل عنها الكثير من الناس, في ذلك أثبت العلماء أن الإنسان حين ينام على فراشه تموت في جسمه خلايا فتسقط على الفراش وحين يستيقظ تبقى الخلايا موجودة على فراشه, وعندما ينام مرة أخرى تسقط الخلايا مرة ثانية؛ فتتأكسد هذه الخلايا وتدخل إلى جسم الإنسان وتسبب له أمراضًا.
وحاول الغربيون غسل الفراش بالمنظفات لكن دون جدوى فقام أحد العلماء بنفضه ثلاث مرات فإذ بالخلايا تختفي.
ويُكمل د. اليازجي: "العلماء أثبتوا أيضًا فيما يخص نفض الفراش أنه قد يكون من عوالم الجن موجود في المكان, وبمجرد أن يستعيذ من الشيطان وينفض الفراش ثلاثًا, فإنه يطرد البكتيريا والجن", مشيرًا إلى أن الرسول لا ينطق عن الهوى إنما ذلك من وحي الله.
في قضية الوضوء ما الإشارة الكونية من ذلك؟! يردّ: "بالنسبة لنا نحن المسلمين هو أمر طاعة, لكن بعض العلماء قالوا إن غسل اليد بهذه الطريقة (الوضوء)؛ يعمل على تدليك الخلايا والأعصاب التي لا يمكن أن تتحرك إلا بهذه الكيفية".
أما في قوله تعالى: "يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور"؛ هنا تعبير قرآني عجيب, ففي تفسير الطبري فقد روي عن قتادة: "أي يعلم همزه بعينه وإغماضه فيما لا يحب الله ولا يرضاه والله سبحانه وتعالى مطّلع على أعمال العباد الظاهرة والباطنة".
وهذه المعاني حول اختلاس العين للنظر في غفلة الناس, فالله يعلم هذه النظرات ويعلم خيانة العين للناس, والتطور العلمي يخبرنا بأن العلماء استطاعوا معرفة الأشياء التي شاهدها الإنسان خلسة وأراد أن يُخفيها عن الآخرين, ويمكن للعلماء اليوم أن يتنبؤوا من خلال حركات العين بما يدور في رأس الإنسان من قرارات وآراء ورغبات وشهوات, فالعين تفضح وتُخبر بما أخفاه, ويتساءل د. اليازجي متعجبًا: "إذا كانت الأجهزة تكشف هذه الخيانة فكيف بعلم الله تعالي الذي يعلم السر وأخفى؟!".
أما في آخر مثالٍ جئنا به إليك _عزيزي القارئ_ على سبيل الاستدلال لا الحصر قول الله تعالى: "والوالدات يُرضعن أولادهن حولين كاملين"؛ الدراسات العلمية الحديثة أثبتت أن في الرضاعة الطبيعية مناعة غير موجودة في الرضاعة الصناعية, وفقًا لليازجي: "عدا عن أن الحليب الطبيعي درجة حرارته تُناسب حرارة الطفل ومع مرور الأيام فإن المواد الغذائية في الحليب الطبيعي تختلف من يوم ليوم, بينما في الصناعي فإنه يمر بمراحل إعداد من تعقيم ومواءمة درجة حرارته مع الطفل".
ويبين د. اليازجي أن الكافر لا يؤمن بما جاء في القرآن, بمعنى الحديث معه يكون من منطلق الدراسات العلمية وما توصل إليه العلماء, بينما نحن المسلمين فمعرفة الحكمة من هذه الأمور خير ولا بأس به بحيث يكون دافعًا لزيادة الإيمان بالله والانضباط, لكن علينا ألا نتكلف في هذا الموضوع ونعمل على ليّ عنق النص القرآني أو النبوي من أجل التدليل.