تزايدت في الأيام الأخيرة الأحاديث عن إمكانية إبرام صفقة تبادل أسرى بين حماس وإسرائيل، عقب استعادة جثمان جندي إسرائيلي من سوريا، وإعلان حماس أن عروضا أوروبية وصلتها للمضي قدما بهذه الصفقة، وتهديدها باختطاف المزيد من الجنود لتنفيذ صفقة تبادل جديدة، واتهام عائلة الجنديين الأسيرين في غزة للحكومة الإسرائيلية بأنها تركت أسراها.
كان لافتا في زحمة التسريبات حول تحركات جديدة بشأن صفقة تبادل أسرى جديدة تزايد العقوبات التي تفرضها السلطات الإسرائيليّة على المعتقلين الفلسطينيّين، للضغط على الأسرى، وقيادة حماس خارجها، لخفض مطالبها، وإطلاق سراح الجنود بأقلّ الأثمان في صفقة تبادل قادمة.
لا يبدو أن حماس بصدد التنازل عن مطلبها المتعلق بإطلاق سراح كوادرها المعتقلين في السجون الإسرائيلية، ومنهم أولئك القادة المسئولون عن تنفيذ عمليات قوية ضد الإسرائيليين، رغم ما قد يسببه ذلك من تراجع في قوة الردع الإسرائيلية، رغم وجود سوابق تاريخية بهذا الصدد.
لكن إحجام إسرائيل عن إبرام صفقة التبادل، سيظهرها كمن تقلل من أهمية جنودها الموجودين في الأسر، حين تمتنع عن القيام باسترجاعهم، رغم أن الصفقة ستبدي تل أبيب مستعدة للقبول بالتنازل عن شروطها، والخضوع لمطالب حماس، فضلا عن كونها تمس بقوتها الردعية، وتعمل على تشجيع المنظمات للقيام بعمليات أسر أخرى، وتخاطر بحياة جنودها الذين قد يقعون في أسرها.
ترى الأوساط السياسية الإسرائيلية في أي صفقة تبادل قادمة إنجازا يقدم لحماس، ويفتح شهيتها لمزيد من اختطاف الجنود، بحيث يكون الاستسلام الإسرائيلي التالي أمامها مسألة وقت فقط، لأن إسرائيل نزلت على ركبتيها أمام حماس، وفشلت قوتها الردعية، والدولة سارت ضد عقيدتها، ما يعني تآكل الردع حتى مرحلة السحق، وحماس يمكنها أن ترفع رأسها بين الفلسطينيين، وتثبت لهم أن طريقها الأفضل.
المستجد الأخير في الموقف الإسرائيلي يتعلق بانتهاء موسم الانتخابات الأخيرة، والشروع بتشكيل الائتلاف الحكومي اليميني الجديد، بحيث يمكن التقدير أن استعدادها يتراجع نحو صفقة تبادل جديدة بسبب التركيبة الحزبيّة للحكومة وتوجّهاتها المتطرفة، وسعي الأحزاب المشاركة في الائتلاف لرفض أيّ صفقة جديدة.
ورغم أن إبرام الصفقة مع حماس قد يحقق لنتنياهو شعبيّة وجماهيريّة بين الإسرائيليّين، لأنّ إعادة الجنود الأسرى لذويهم تمثّل مطلباً شعبياً إسرائيليّاً، لكن لعل ما قد يرجئ تنفيذها وجود قناعة إسرائيلية سائدة بأنها تصب في خدمة حماس، مما يتطلب أن تكون الخيار الأخير، لأنها تحتمل الكثير من المخاطر، وتشكل كابوساً مخيفاً بنظر الإسرائيليين، وهو ما يؤكد أنها ليست في متناول اليد، وما نسمعه من تصريحات وتسريبات لا يعدو "إدارة" للأزمة، وليس حلاً لها.